ولما ذكر صدقه في الوعد وسهولة الأفعال عليه ، وكان من محط كثير{[51899]} مما مضى أن من فعل ما لا يرضي الله غيّر عليه ، كائناً من كان ، ومن فعل{[51900]} ما أمره به نصره وأيده ولو بعد حين ، كما أشير إليه بقوله تعالى { قل ربي يعلم القول في السماء والأرض } وما بعده من أشكاله{[51901]} ، حتى ختم بقوله { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها } الآية{[51902]} ، قال تعالى عاطفاً على { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم{[51903]} } وما عطف عليه من أشباهه مذكراً بما وعد على لسان داود عليه السلام : { ولقد كتبنا } أي{[51904]} {[51905]}على عظمتنا التي نفوذها محقق لا تخلف له أصلاً{[51906]} { في الزبور } أي الذي أنزلناه على داود عليه السلام .
ولما كان المكتوب المشار إليه لم يستغرق ما بعد الذكر المراد من هذا الزبور{[51907]} ، أشار{[51908]} إلى التبعيض بإثبات الجار فقال{[51909]} : { من بعد الذكر } أي الكلام الداعي إلى الله تعالى الدال عليه من الدعاء والمواعظ والتسبيح والتمجيد{[51910]} الذي ابتدأنا به{[51911]} الزبور { أن الأرض } أي جنسها الشامل لبقاع أرض الدنيا كلها ولأرض المحشر والجنة وغير ذلك مما يعلمه الله { يرثها عبادي } {[51912]}وحقق ما أفادته{[51913]} إضافتهم إليه من الخصوص{[51914]} بقوله : { الصالحون* } أي المتخلقون بأخلاق أهل{[51915]} الذكر ، المقبلين على ربهم ، الموحدين له{[51916]} ، المشفقين من الساعة ، الراهبين من سطوته ، الراغبين في رحمته ، الخاشعين له - كما أشرنا إليه بقولنا { قل ربي يعلم القول } وما ضاهاه وبذكر ما سلف في هذه السورة من شاهد ذلك من قصص هؤلاء الأنبياء الذين ضمنّاها بعض أخبارهم دلالة على أن العاقبة{[51917]} لمن أرضانا{ لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم }[ إبراهيم : 13-14 ] { إن الأرض لله{[51918]} يورثها{[51919]} من يشاء من عباده }[ الأعراف : 128 ] { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس }[ المؤمنون : 11 ] وفي هذا إشارة بالبشارة بأنه تعالى يورث هذه الأمة على ضعفها ما أورث داود وابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام على ما أعطاهما من القوة من{[51920]} إلانة الحديد والريح والحيوانات كلها من الجن والإنس والوحش {[51921]}والطير{[51922]} وغير ذلك ، والمراد بهذا الكلام - والله أعلم - ظاهره ، فإنه ابتدأ سبحانه الزبور بالأذكار والمواعظ إلى أن قال في المزمور{[51923]} السادس والثلاثين{[51924]} وهو قبل ربعه - هذا اللفظ بعينه .
بيان ذلك{[51925]} :
المزمور الأول : طوبى للرجل الذي لا يتبع رأي المنافقين ، ولم يقف في طريق الخاطئين ، ولم يجلس في مجالس المستهزئين ، لكن في ناموس الرب مشيئته{[51926]} ، وفي سننه يتلوا ليلاً ونهاراً ، فيكون كمثل الشجرة المغروسة على مجاري المياه التي تعطي ثمرتها في حينها ، وورقها لا {[51927]}ينتثر ، وكل ما يعمل يتم ، ليس{[51928]} كذلك{[51929]} المنافقون ، بل كالهباء الذي تذريه الرياح عن وجه الأرض ، فلهذا لا يقوم المنافقون في القضاء ولا الخطأة في مجمع الصديقين ، لأن الرب عالم بطريق الأبرار ، وطريق المنافقين{[51930]} تبيد .
المزمور الثاني : لماذا ارتجت الشعوب ؟ وهدت الأمم بالباطل ؟ قامت ملوك الأرض ورؤساؤها وائتمروا جميعاً على الرب وعلى مسيحه قائلين{[51931]} لنقطع أغلالهما{[51932]} ونلقي عنا سيرهما{[51933]} ، الساكن في السماء يضحك بهم ، والرب يمقتهم ، حينئذ يكلمهم بغضبه{[51934]} ، وبسخطه يذهلهم ، أنا أقمت ملكاً منهم على صهيون جبل قدسه{[51935]} ، لأخبر ميثاق الرب ، الرب قال لي : أنت{[51936]} {[51937]}ابني ، أنا اليوم ولدتك{[51938]} ، سلني فأعطيك الشعوب ، ميراثك وسلطانك على أقطار الأرض ، ترعاهم{[51939]} بقضيب من حديد ، ومثل آنية الفخار تسحقهم ، من الآن تفهموا أيها الملوك{[51940]} ! تأدبوا يا جميع قضاة الأرض ! اعبدوا الرب بخشية ، سبحوه برعدة ، {[51941]}الزموا الأدب{[51942]} لئلا يسخط الرب عليكم فتضلوا عن سبيله{[51943]} العادلة ، إذا ما توقد رجزه{[51944]} عن قليل ، طوباهم{[51945]} المتوكلين عليه .
المزمور الخامس : استمع يارب قولي داعياً ، وكن لدعائي مجيباً ، وأنصت إلى صوت تضرعي ، فإنك ملكي وإلهي ، وإني لك أصلي في غدواتي ، استمع{[51946]} يا رب طلبتي لأقف أمامك بالغداة وتراني ، لأنك إله لا ترضى الإثم ، ولا يحل في مساكنك شرير ، ولا يثبت مخالفو وصاياك بين يديك ، أبغضت جميع عاملي الإثم ، وأبدت كل الناطقين بالكذب ؛ الرجل السافك الدماء الغاش{[51947]} الرب يرذله{[51948]} ، وأنا بكثرة رحمتك أدخل بيتك ، وأسجد{[51949]} في هيكل قدسك مستشعراً بخشيتك ، اهدني يا رب بعدلك ، ومن أجل أعدائي سهل أمامك طريقي ، فإنه ليس في أفواههم صدق ، بل الإثم في قلوبهم ، حناجرهم قبور مفتحة ، وألسنتهم غاشة ، دنهم يا الله ! ومثل كثرة نفاقهم{[51950]} ارفضهم لأنهم أسخطوك{[51951]} يا رب ، ويفرح بك جميع المتوكلين عليك ، وإلى الأبد يسرون ، وفيهم تحل بركتك ، ويفتخر بك كل محبي اسمك ، لأنك يارب تبارك الصديق ، وكمثل سلاح ، المسرة كللتنا{[51952]} .
المزمور السادس : يارب ! لا تبكتني بغضبك ، ولا تؤدبني{[51953]} بزجرك ، ارحمني يا رب فإني ضعيف ، اشفني يارب فإن عظامي قلقت{[51954]} ، ونفسي جزعت جداً ، وأنت نج نفسي وخلصني برحمتك ، فليس في الموتى من يذكرك ، ولا في الجحيم من يشكرك ، تعبت في تنهدي ، أحمم{[51955]} في كل ليلة سريري{[51956]} ، وبدموعي أبلّ فراشي ، ذبلت من السخط عيناي ، ابعدوا عني يا جميع عاملي الإثم ، فإن الرب سمع صوت بكائي ، الرب سمع صوت تضرعي ، الرب قبل صلاتي ، يخزون ويبهتون جميع أعدائي ، ويتضرعون ويسقطون جداً عاجلاً .
وفي المزمور التاسع{[51957]} : أشكرك يا رب من كل قلبي ، وأقص جميع عجائبك ، أفرح وأسر بك ، وأرتل لاسمك العلي حين تولى أعدائي على أدبارهم يضعفون ويبيدون من بين يديك ، لأنك قضيت لي وانتقمت لي ، استويت على العرش يا ديان الحق ، زجرت الشعوب ، أبدت المنافق أسقطت{[51958]} اسمه{[51959]} إلى الأبد وإلى أبد الأبد ، لأنك أبدت سلاح العدو ، وأفنيت مدائنه ، وأزلت ذكرها ، الرب دائم إلى الأبد ، أعدَّ كرسيه للقضاء ليقضي للمسكونة بالعدل ، و{[51960]}يدين الشعوب بالاستقامة .
المزمور الثاني عشر{[51961]} : حتى متى يا رب تنساني إلى التمام ؟ حتى متى يا رب تصرف وجهك عني ؟ حتى متى تترك هذه الأفكار في نفسي والهموم والأوجاع في قلبي النهار كله ؟ حتى متى يعلو عدوي عليّ ؟ انظر إليّ واستجب لي يا ربي وإلهي ! أنر عيني لئلا أنام ميتاً ، ولئلا يقول عدوي : إني عليه قد قدرت ، والمضطهدون{[51962]} لي{[51963]} يفرحون إذا أنا زللت ، وأنا على رحمتك توكلت ، فلبي بخلاصك يفرح ، أرتل الرب الذي صنع لي حسناً ، وأسبح اسم الرب العالي .
المزمور الرابع عشر : يا رب من يسكن في مسكنك أو من يحل في طور قدسك ؟ ذاك الذي يمشي بلا عيب ويعمل البر ويتكلم{[51964]} في قلبه بالحق ، ولا يغش بلسانه أحداً ، ولا يصنع بقريبه سوءاً ، ولا يلتمس لجيرانه عاراً ، عيناه تشنأ الأثمة ، يمجد أتقياء الرب ، يحلف لقريبه ولا يكذب ، ولا يعطي فضته بالربا ، ولا يقبل الرشوة على الأزكياء ، الذي يفعل هذا يدوم ولا يحول إلى الأبد .
المزمور السادس عشر : استمع يا الله ببري ، وانظر إلى تواضعي ، وأنصت لصلاتي {[51965]}من شفتين{[51966]} غير غاشتين ، من قدامك يخرج قضائي ، عيناك{[51967]} تنظران الاستقامة ، بلوت قلبي وتعاهدتني ، جربتني فلم تجد فيّ ظلماً ، ولم يتكلم فمي بأعمال الشر ، من أجل كلام شفتيك حُفظت طرق صعبة لكيما يشتد في سبلك نهوضي ولا تزل{[51968]} خطاي ، وإذا ما دعوتك استجب لي ، اللهم أنصت إليّ أسمعك ، وتقبل دعائي يا مخلص المتوكلين عليك ، خلصني بيمينك من المضادين لي{[51969]} ، احفظني مثل حدقة العين ، وبظلال جناحك ظللني ، من وجه المنافقين الذين أجهدوني ، وأعدائي الذين اكتنفوا نفسي ، {[51970]}تفقدت شحومهم{[51971]} ، وتكلمت أفواههم بالكبرياء ، عندما أخرجوني أحاطوا بي ، نصبوا عيونهم ليضربوا بي الأرض ، استقبلوني مثل الأسد المستعد للفريسة ، ومثل الشبل الذي يأوي في خفية ، قم يا رب ! أدركهم وعرقلهم ، ونج نفسي من المنافقين ، ومن سيف أعدائك ، اللهم عن قرب شتتهم في الأرض ، اقسمهم في حياتهم .
المزمور السابع عشر : أحبك يا رب قوتي ! الرب رجائي وملجأي ومخلصي إلهي عوني ، عليه توكلي ، ساتري وخلاصي وناصري ، أسبح الرب وأدعوه ، أنجو من أعدائي ، لأن غمرات الموت اكتنفتني ، وأودية الأثمة أفزعتني ، أحاطت بي أهوال الجحيم ، شباك الموت أدركتني ، وعند شدتي دعوت الرب ، وإلى إلهي صرخت ، سمع من هيكل قدسه صوت دعائي ، أمامه يدخل إلى مسامعه ، تزلزلت الأرض وارتعدت ، تحركت أساسات الجبال وتزعزعت{[51972]} من أجل أن الرب غضب عليها ، صعد الدخان من رجزه والتهبت النار أمامها ، اشتعل منه{[51973]} جمر نار ، طأطأ السماوات ، والضباب تحت رجليه ، طار على أجنحة الرياح ، جعل الظلمة حجابه ، تحوط مظلته مياه مظلمة في سحب الهواء من الزمهرير ظلاله ، ومن بريق نور وجهه جعل الغمام يجري بين يديه ، برداً وجمر نار ، أرعد الرب من السماء ، وأبدى العلي صوته ، أرسل سهاماً وفرقهم ، وأكثر البرق وأفزعهم وأقلقهم ، ظهرت عيون المياه ، وانكشفت أساسات المسكونة من انتهارك يا رب ! ومن هبوب الريح سخطك ، أرسل من العلى وأخذني ، نشلني من المياه الغزيرة ، وخلصني من أعدائي الأشداء ، ومن المبغضين لي ، لأنهم تقووا أكثر مني ، سبقوني في يوم حزني ، نجاني في يوم جزعي ، الرب صار لي سنداً ، أخرجني إلى السعة ، وأنقذني لأنه ترأف لي ، خلصني من أعدائي الأشداء المبغضين ، جازاني الرب مثل بري ، ومثل طهر يدي يعطيني ، لأني حفظت سبل الرب ، ولم أبعد من إلهي ، إذ كل أحكامه{[51974]} قدامي ، وعدله لم أبعده عني ، أكون معه بلا عيب ، ولم تزدحف خطاي ، جازاني الرب مثل بري ، ومثل طهر يدي أمامه ، مع العفيف عفيفاً تكون{[51975]} ، ومع البار باراً تكون ، ومع الملتوي ملتوياً تكون ، ومع المختار مختاراً تكون ، من أجل أنك تنجي الشعب المتواضع وتذل أعين المتعظمين ، وأنت يا رب تضيء سراجي ، لأني بك أنجو من الرصد ، وبإلهي اعبر السور{[51976]} ، والله لا ريب في سبله ، كلام الرب{[51977]} مختبر ، يخلص جميع المتوكلين عليه ، إله مثل الرب ، ولا عزيز مثل إلهنا ، الإله{[51978]} الذي عضدني بقوته ، جعل سبلي بلا عيب ، ثبت قدمي ، وعلى المشارق رفعني ، علم يدي القتال ، شدد ذراعي مثل قوس نحاس ، أعطاني{[51979]} الخلاص ، يمينه نصرتني{[51980]} ، وأدبه أقامني إلى التمام ، حكمتك علمتني ، وسعت خطاي تحتي ، ولم تضعف قدماي ، أطلب أعدائي وأدركهم ، ولا أرجع حتى أفنيهم ، أرميهم فلا يستطيعون القيام ، يسقطون تحت قدمي ، عضدتني بقوة في الحرب ، جعلت كل الذين قاموا عليّ تحتي ، أبدت أعدائي ، استأصلت الذي شنأوني ، صرخوا فلم يكن لهم مخلص ، رغبوا إلى الله فلم يستجب لهم ، أسحقهم مثل الثرى {[51981]}أمام الريح ، وكمثل طين الطرق أطأهم ، نجني من مقاومة الألسن ، سيرني رأساً على الشعوب ، الشعب الذي لا أعرفه تعبد لي ، سمع لي سماع الأذن ، بنو الغرباء أقبلوا{[51982]} وأطاعوني ، {[51983]}ولم يؤمن بي بنو الغرباء{[51984]} ، حي هو الله ، وتبارك إله خلاصي ، تعالى الرب الذي أنقذني ، الله الذي ثبّت لي الانتقام ، أخضع الشعوب تحتي ، ونجاني من أعدائي ، ورفعني على الذين قاموا{[51985]} عليّ ، و{[51986]}من الرجال الأثمة نجاني ، لذلك أشكرك يا رب بين الشعوب ، وأرتل لاسمك .
المزمور الحادي والعشرون : إلهي إلهي لماذا تركتني ؟ تباعدت عن خلاصي لقول جهلي ، إلهي دعوتك بالنهار فلم تستجب لي ، وفي الليل{[51987]} {[51988]}فلم يكن مني جهلاً{[51989]} ، أنت كائن في القديسين يا فخر إسرائيل ، بك آمن آباؤنا ، وتوكلوا{[51990]} عليك فنجيتهم ، وصرخوا إليك فخلصتهم ، رجوك فلم يخزوا{[51991]} ، وأنا فدودة ولست إنساناً ، عار في الناس ، مرذول في الشعب ، كل من رآني يمقتني ، تكلموا بشفاههم وهزوا رؤوسهم و{[51992]}قالوا : إن كان آمن أو توكل على الرب فلينجه ، ويخلصه إن كان يحبه ، وأنت من البطن أخرجتني ، ومذ كنت أرتضع من بطن أمي{[51993]} ألقيت إليك ، وعليك من الرحم توكلت ، ومن بطن أمي أنت إلهي فلا تبعد عني ، فإن الشدة قريبة ، وليس من{[51994]} يخلصني ، أحاطت بي عجول كثيرة ، اكتنفتني ثيران سمان ، فتحت أفواهها على مثل الأسد الزائر المفترس ، ومثل الماء انهرقت عظامي ، وصار قلبي مثل الشمع المذاب في وسط بطني ، يبست{[51995]} قواي مثل الفخار ، لصق لساني بحنكي ، وإلى تراب الموت أنزلتني ، أحاطت بي كلاب كثيرة ، اكتنفتني جماعة الأشرار{[51996]} ، ثقبوا يدي ورجلي ، وزعزعوا جميع عظامي ، نظروا إليّ وشتموني{[51997]} ، واقتسموا بينهم ثيابي ، واقترعوا على لباسي ، وأنت يا رب فلا تبعد من معونتي ، انظر إلى تضرعي ، نج من السيف نفسي ، ومن يد الكلاب التي احتوشتني{[51998]} ، ومن فم الأسد خلصني ، ومن القرن المتعالي على تواضعي ، لأبشر باسمك إخوتي ، وبين الجماعة أمجدك ، أيها الخائفون من الرب مجدوه ! يا جميع ذرية يعقوب سبحوه ! يخشاه كل زرع إسرائيل ، لأنه لم يهن ولم يرذل دعوة المسكين ، ولا صرف وجهه عني ، وعند دعائي استجاب لي ، يأكل المساكين ويشبعون ، ويسجد قدامه جميع قبائل الشعوب ، لأنه الملك الرب ، وسلطانه على الأمم ، تأكل وتسجد قدام الرب جميع ملوك الأرض ، وبين يديه يجثو جميع هابطي التراب لله ، يحيي نفسي{[51999]} ، وذريتي له تتعبد ، أخبروا بالرب أيها الجيل{[52000]} الآتي ، وحدثوا بعدله ، ليرى الشعب الذي يولد صنع الرب .
المزمور الثلاثون : عليك يارب توكلت{[52001]} فلا أخزى إلى الأبد ، خلصني وأنقذني بعدلك ، أنصت لي بسمعك ، واستنقذني عاجلاً ، كن لي إلهاً نصيراً وملجأ ومخلصاً لأنك عوني وملجأي ، وباسمك يارب تهديني وتعينني وتخرجني من هذا الفخ الذي أخفي{[52002]} لي ، {[52003]}لأنك ناصري ، وفي يدك أسلم روحي{[52004]} ، نجني يا رب إله الحق ، شنأت الذين يغتبطون بالأوثان الباطلة ، وأنا على الرب توكلت ، أفرح وأسر برحمتك لأنك نظرت إلى تواضعي ، وخلصت نفسي من الشدائد ، ولمن تسلمني في أيدي الأعداء ، اقمت رجلي في السعة ، ارحمني يا رب فإني حزين ، جزعت{[52005]} عيناي من سخطك ، ونفسي وقواي ، فني عمري بالأحزان ، وسني بالزفرات ، ضعفت بالمسكنة قوتي وقلقت عظامي ، صرت عاراً في أعدائي وجيرتي ، ورهبة لمن عرفني ، من عاينني{[52006]} تباعد عني ، ونسوني في قلوبهم مثل الميت ، صرت مثل إناء مكسور{[52007]} ، لأني سمعت سب جميع من حولي ، هموا بي وعند اجتماعهم{[52008]} عليّ جميعاً تآمروا لأخذ نفسي ، فأنا يا رب عليك توكلت ، قلت : أنت إلهي ، وفي يدك{[52009]} قسمي ، نجني من يد أعدائي والطاردين لي ، أضىء{[52010]} وجهك على عبدك ، وخلصني برحمتك ، يارب لا تخزني فإني دعوتك ، تخزي المنافقين ويهبطون إلى الجحيم ، تبكم الشفاه الغاشة المتقولة على الصديق بالزور والبهتان ، ما أكثر{[52011]} رحمتك يا رب لجميع خائفيك ، أعددتها لمن اعتصم بك أمام بني البشر ، استرهم في كنفك{[52012]} من{[52013]} أشرار الناس وفي ظلال وجهك ، وقهم من مقاومة الألسن ، تبارك الرب الذي {[52014]}انتخب له{[52015]} الأصفياء في المدينة العظيمة ، أنت قلت في تحيري : إني سقطت من حذاء عينيك ، ولذلك سمعت صوت تضرعي حين دعوتك ، حبوا الرب يا جميع أصفيائه ، فإن الرب يبتغي الحق ، ويكافىء المستكبرين بفعلهم ، تشتد قلوبكم وتقوى أيها المتوكلون على الرب .
المزمور الثالث والثلاثون : أبارك{[52016]} الرب في كل حين ، وكل أوان تسبيحه في فمي ، بالرب تفتخر نفسي ، فليسمع أهل الدعة ويفرحوا ، عظموا معي الرب وشرفوا اسمه أجمعون ، أنا طلبت{[52017]} الرب فأجابني ، ومن شدائدي نجاني ، أقبلوا إلى الرب واستتروا به ، فإن وجوهكم لا تخزى ، إن المسكين دعا فاستجاب له الرب ، ومن جميع أحزانه خلصه ، ملك الرب يحوط أتقياءه وينجيهم ، ذوقوا وتيقنوا طيب الرب ، طوبى للرجل المتوكل عليه ، اتقوا الرب يا جميع قديسيه{[52018]} لأنه لا منقصة لأتقيائه{[52019]} ، الأغنياء افتقروا وجاعوا ، والذين يطلبون الرب لا يعدمون كل الخيرات ، هلموا أيها الأبناء واسمعوا مني لأفهمكم مخافة الرب ، من هو الرج{[52020]}ل الذي يهوى الحياة ويحب أن يرى{[52021]} الأيام الصالحة ، اكفف لسانك من الشر وشفتيك ، لا تتكلم بالغدر ، ابعد عن الشر ، واصنع الخير ، اطلب السلامة واتبعها ، فإن عين الرب على الأبرار ، وسمعه إلى تضرعهم ، وجه الرب على صانعي الشر ليمحو ذكرهم من الأرض ، الأبرار دعوا فاستجاب لهم الرب{[52022]} ، من جميع شدائدهم نجاهم ، الرب{[52023]} قريب من مستقيمي القلوب ، يخلص متواضعي الأرواح ، كثيرة{[52024]} هي أحزان الصديقين ، ومن جميعها ينجيهم الرب ، الرب{[52025]} يحفظ جميع عظامهم ، وواحد منهم لا ينكسر ، موت الخطأة سيىء ، ومبغضو البار يهلكون ، الرب ينجي نفوس عبيده ، ولا يخيب المتوكلين عليه .
المزمور الرابع والثلاثون : حاكم يا رب الذين يظلمونني ، قاتل الذي يقاتلونني ، خذ سلاحاً وترساً وقم لمعونتي ، استل سيفاً ورد به أعدائي الذين يرهقونني ، وقل لنفسي : أنا مخلصك ، يخزى ويبهت طالبو نفسي ، يرتدون{[52026]} على أعقابهم ويخزي الذين يتفكرون بي الشر ، ويكونون كالغبار أمام{[52027]} الريح ، وملك الرب يخزيهم ، تكون طريقهم زلقة ظلمة عليهم وملك الرب{[52028]} يطاردهم ، لأنهم أخفوا لي فخاً ، بغير حق عيروا نفسي ، فليأتهم الشر بغتة ، والمصيدة التي أخفوها تأخذهم ، وفي الحفرة التي حفروها يسقطون ، نفسي تبتهج بالرب ، وتنعم بخلاصه ، عظامي كلها تقول : يا رب من مثلك منجي المسكين من يد القوي ، والفقير والبائس من يد الذين يختطفونه ، قام عليّ شهود الزور ، وعما لم أعلم ساءلوني ، جازوني بدل الخير شراً ، وأبادوا نفسي وأنا عندما لجوا عليّ لبست مسحاً ، وبالصيام أذللت نفسي ، وصلاتي عادت إلى حضني ، مثل قريب و أخ كنت لهم ، صرت كالحزين الكئيب في تواضعي ، اجتمعوا عليّ وفرحوا ، اجتمع عليّ الأشرار ولم أشعر ، أثموا{[52029]} ولم يندموا ، أحزنوني وهزؤوا بي وصروا أسنانهم عليّ ، {[52030]}يا رب{[52031]} إلى متى تنتظر ! نج نفسي من شر ما نصبوا ، ومن الأسد نج وحدتي ، لأشكرك يا رب في الجموع الكثيرة وفي{[52032]} الشعب الصالح أرتل لك ، لا يسر بي المعادون لي ظلماً ، الذين يشنؤونني باطلاً ويتغامزون بعيونهم ، لأنهم يتكلمون{[52033]} بالسلام وبالدغل يفكرون ، وعلى المتواضعين في الأرض يقولون الكذب ، فتحوا عليّ أفواههم ، {[52034]}وقالوا{[52035]} : نعماً نعماً ! قد قرت به عيوننا ، اللهم قد رأيت ، لا تغفل ، لا تبعد عني يا رب ! انظر سريعاً في قضائي إلهي وربي ، كن{[52036]} في ظلامتي ، واحكم لي مثل برك يا ربي وإلهي ، لا تسرهم بي ، لئلا يقولوا في قلوبهم : تفتحت{[52037]} نفوسنا ، ولا يقولوا : قد ابتلعناه{[52038]} ، يخزون ويهنون{[52039]} جميعاً الذين يفرحون بإساءتي ، يلبس الخزي والبهت{[52040]} المتعظمون بالقول عليّ يسر ويفرح الذين يهوون بري ، ويقولون في كل حين : عظيم هو الرب ، الذين يريدون سلامة عبدك ، لساني يتلو عدلك وتمجيدك النهار كله .
المزمور السادس والثلاثون : لا تغبط الأشرار ولا تتأسّ بفاعلي الإثم ، لأنهم مثل العشب سريعاً يجفون ، ومثل البقل الأخضر عاجلاً يذبلون ، توكل على الرب واصنع الخير ، واسكن في الأرض ، وعش من نعيمها ، استبشر بالرب يعطيك مطلوبات قلبك ، واكشف سبلك للرب وتوكل عليه وهو يصنع لك ، يخرج مثل النور عدلك ، ومثل الظهيرة أحكامك ، اخضع للرب واضرع إليه ، لا تغبط الرجل المستقيم{[52041]} في طريقه المقيم على إثمه ، ولا رجلاً يعمل بخلاف الناموس ، اكفف من السخط ، ودع الغضب ، لا تبار الشرير ، فإن الأشرار جميعاً يبيدون ، والذين يرجون الرب يرثون الأرض عن قليل ، لا يوجد الخاطىء ، ويطلب{[52042]} مكانه فلا يوجد ، أهل الدعة{[52043]} يرثون الأرض ، ويتنعمون بكثرة السلامة ، المنافق يرصد الصديق ويصر عليه أسنانه ، والرب يهزأ به ، لأنه قد علم أن يومه يدركه ، استل الخطأة سيوفهم ، وأوتروا قسيهم ، ليصرعوا المسكين والبائس ، ويقتلوا{[52044]} المستقيم القلب ، تدخل سيوفهم إلى قلوبهم ، وتنكسر قسيهم{[52045]} ، اليسير للصديق خير من كثرة غنى الخطأة ، لأن سواعد الخطأة تنكسر ، والرب يحفظ الأبرار ، الرب يعرف أيام صديقيه {[52046]}الذين لا عيب فيهم{[52047]} وميراثهم إلى الأبد ، ولا يخزون في زمان سوء ، وفي أيام الشدائد يشبعون ، لأن الأثمة يبيدون ، أعداء الرب حين يرتعون ويتمجدون يذهبون مثل الدخان ويضمحلون ، الخاطىء يقترض ولا يوفى ، والبار يترأف ويعطي ، لأن مباركيه يرثون{[52048]} الأرض ، ولا غيه يستأصلون ، الرب يقوِّم خطأ الإنسان ويهديه في الطريق ، إن سقط البار لم يجزع ، لأن الرب ممسك بيده ، كنت صبياً وشخت ولم أر صديقاً رفض ، ولا ذريته طلبت خبزاً النهار كله يترحم ويقرض{[52049]} ونسله مبارك ، ابعد عن الشر وافعل الخير ، واسكن إلى أبد الأبد ، لأن الرب{[52050]} يحب العدل ، ولا يضيع أصفياءه ، يحفظهم إلى أبد الأبد ، الأثمة يهلكون ونسل الخطأة يستأصلون ، الصديقون يرثون{[52051]} الأرض ويسكنون فيها إلى أبد الأبد ، فم الصديق ينطق بالحكمة ولسانه يقول العدل ، سنة إلهه في قلبه ، ولا تزدحف قدماه ، الخاطىء يرصد البار ويهم بقتله ، والرب لا يسلمه في يديه ، ولا يدخله في الحكم ، ترج الرب واحفظ طرقه ، وهو يرفعك لترث الأرض وتعاين الخطأة يبيدون ، رأيت المنافق يتعالى : ويتطاول مثل أرز لبنان ، مررت به فلم أجده وطلبت موضعه فلم أصبه ، تمسك بالدعة وسترى الاستقامة ، فإن عاقبة الرجل المستقيم سلامة ، الخطأة جميعاً يبيدون ، وبقايا الأشرار يستأصلون ، خلاص الأبرار من عند الرب وهو ناصرهم في زمان الشدائد ، الرب عونهم ومنجيهم ومنقذهم من الخطأة ، ويخلصهم لأنهم توكلوا عليه .