تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّـٰلِحُونَ} (105)

الآية 105 : وقوله تعالى : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال بعضهم : إن كل كتب الله التي أنزلها ، هي [ زبر ، وقوله ] {[12852]} : { من بعد الذكر } أي الكتاب الذي عند الله ، وهو اللوح المحفوظ ؛ معناه ، والله أعلم ، على أهل التأويل : كتبنا في الكتب التي أنزلناها بعد ما كان مكتوبا في اللوح المحفوظ أن الأرض يرثها كذا .

وقال بعضهم : كتب الله في الزبور المعروف ، وهو زبور داود ، بعد ما كتب { من بعد الذكر } أي التوراة { أن الأرض } يعني الجنة { يرثها عبادي الصالحون } كتب ذلك في هذا القرآن ، فقال : { إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين } [ الأنبياء : 106 ] .

وقال بعضهم : { ولقد كتبنا في الزبور } أي زبور داود بعد ما كتب في الذكر الذي عنده .

وجائز أن يكون قوله : { ولقد كتبنا في الزبور } في بعض الكتاب أي في بعض السور { من بعد الذكر } أي بعد السورة { أن الأرض يرثها } كذا .

وجائز أيضا { كتبنا في } الكتاب { من بعد الذكر } أي من بعد ما ذكرناهم ، ووعظهم { أن الأرض يرثها } كذا .

ثم اختلفوا في قوله : { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال عامة أهل التأويل : هي الجنة ؛ أخبر أن الجنة إنما يرثها عبادي الصالحون . وهو ما ذكر في آية أخرى : { أولئك هم الوارثون } { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } [ المؤمنون : 10 و11 ] فيكون هذا تفسيرا لذلك .

وقال بعضهم : { أن الأرض } يعني أرض بيت المقدس { يرثها عبادي الصالحون } وهو كذلك : كان ، ولم{[12853]} يزل بها عباد الله الصالحون إلى يوم القيامة .

وجائز أن يكون قوله : { أن الأرض يرثها } أمة محمد كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) [ مسلم 2889 ] فذلك وراثتها ، وهم عباده الصالحون كقوله : { كنتم خير أمة } الآية [ آل عمران : 110 ] أخبر أنها خير الأمم ، والله أعلم .


[12852]:في الأصل و م: زبور.
[12853]:الواو ساقطة من الأصل.