القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوَاْ إِلَىَ جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم ، فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقوّوا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، ليصدّوا المؤمنين بالله ورسوله ، عن الإيمان بالله ورسوله ، فسينفقون أموالهم في ذلك ثم تَكُونُ نفقتهم تلك عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يقول : تصير ندامة عليهم ، لأن أموالهم تذهب ، ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله ، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله ، لأن الله معلي كلمته ، وجاعل كلمة الكفر السفلى ، ثم يغلبهم المؤمنون ، ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنم ، فيعذّبون فيها ، فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك أما الحيّ فحُرِب ماله وذهب باطلاً في غير درك ولا نفع ورجع مغلوبا مقهورا محزونا مسلوبا وأما الهالك : فقُتل وسُلب وعجل به إلى نار الله يخلد فيها ، نعوذ بالله من غضبه وكان الذي تولى النفقة التي ذكرها الله في هذه الاَية فيما ذكر أبا سفيان . ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ . . . الاَية وَالّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ قال : نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة ، فقاتل بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين يقول فيهم كعب بن مالك :
وَجِئْنا إلى مَوْجٍ مِنَ البَحْرِ وَسْطَهُ ***أحابِيشُ مِنْهُمْ حاسِرٌ وَمُقَنّعُ
ثَلاثَةُ آلافٍ ونَحْنُ نَصِيّةٌ ***ثَلاثُ مِئِينَ إنْ كَثُرْنا فَأرْبَعُ
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن أبزى : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : نزلت في أبي سفيان ، استأجر يوم أُحد ألفين ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب .
قال : أخبرنا أبي عن خطاب بن عثمان العصفري ، عن الحكم بن عتيبة : إنّ الّذِبنَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : نزلت في أبي سفيان ، أنفق على المشركين يوم أُحد أربعين أوقية من ذهب ، وكانت الأوقية يومئذٍ اثنين وأربعين مثقالاً .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ . . . الاَية ، قال : لما قدم أبو سفيان بالعير إلى مكة ، أنشد الناس ودعاهم إلى القتال حتى غزا نبيّ الله من العام المقبل ، وكانت بدر في رمضان يوم الجمعة صبيحة سابع عشرة من شهر رمضان ، وكانت أُحد في شوّال يوم السبت لإحدى عشرة خلت منه في العام الرابع .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال الله فيما كان المشركون ومنهم أبو سفيان يستأجرون الرجال يقاتلون محمدا بهم : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وهو محمد صلى الله عليه وسلم فَسَيْنْفِقُونَها ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يقول : ندامة يوم القيامة وويلاً ثم يُغْلَبُونَ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ . . . الاَية ، حتى قوله : أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ قال : في نفقة أبي سفيان على الكقار يوم أُحد .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قالا : حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قالوا : لما أصابت المسلمون يوم بدر من كفار قريش من أصحاب القليب ورجع فَلهّم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيره ، مشى عبد الله بن ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له في تلك العير من قريش تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا ففعلوا . قال : ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل الله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ . . . إلى قوله : وَالّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ . . . إلى قوله : يُحْشَرُون يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة ، فسألوهم أن يعينوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ففعلوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن عطاء بن دينار ، في قول الله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ . . . الاَية ، نزلت في أبي سفيان بن حرب .
وقال بعضهم : عني بذلك المشركون من أهل بدر . ذكر من قال ذلك .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ . . . الاَية ، قال : هم أهل بدر .
والصواب من القول في ذلك عندي ما قلنا ، وهو أن يقال : إن الله أخبر عن الذين كفروا به من مشركي قريش أنهم ينفقون أموالهم ، ليصدوا عن سبيل الله ، لم يخبرنا بأيّ أولئك عنى ، غير أنه عمّ بالخبر الذين كفروا ، وجائز أن يكون عنى : المنفقين أموالهم لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأُحد ، وجائز أن يكون عنى المنفقين منهم ذلك ببدر ، وجائز أن يكون عنى القريقين .
وإذا كان ذلك كذلك ، فالصواب في ذلك أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه الذين كفروا من قريش .
{ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله } نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا من قريش يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر ، أو في أبي سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب ، وأنفق عليهم أربعين أوقية . أو في أصحاب العير فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم أعينوا بهذا المال على حرب محمد لعلنا ندرك منه ثأرنا ففعلوا ، والمراد ب { سبيل الله } دينه واتباع رسوله . { فسينفقونها } بتمامها ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم في تلك الحال وهو إنفاق بدر ، والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل وهو إنفاق حد ، ويحتمل أن يراد بهما واحد على أن مساق الأول لبيان غرض الإنفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته وإنه لم يقع بعد . { ثم تكون عليهم حسرة } ندما وغما لفواتها من غير مقصود جعل ذاتها تصير حسرة وهي عاقبة إنفاقها مبالغة . { ثم يُغلبون } آخر الأمر وإن كان الحرب بينهم سجالا قبل ذلك . { والذين كفروا } أي الذين ثبتوا على الكفر منهم إذا أسلم بعضهم . { إلى جهنم يُحشرون } يساقون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.