فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ} (36)

قوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أموالهم لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله } لما فرغ سبحانه من شرح أحوال هؤلاء الكفرة في الطاعات البدنية ، أتبعها شرح أحوالهم في الطاعات المالية . والمعنى : أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصدّ عن سبيل الحق ، بمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع الجيوش لذلك ، وإنفاق أموالهم عليها ، وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم الأحزاب .

فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش ، ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز فقال : { فَسَيُنفِقُونَهَا } أي : سيقع منهم هذا الإنفاق { ثُمَّ تَكُونُ } كما وعد الله به في مثل قوله : { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } . ومعنى { ثُمَّ } في الموضعين إما التراخي في الزمان لما بين الإنفاق المذكور ، وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد ، وإما التراخي في الرتبة لما بين بذل المال وعدم حصول المقصود من المباينة ، ثم قال : { والذين كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } أي : استمرّوا على الكفر ، لأن من هؤلاء الكفار المذكورين سابقاً من أسلم وحسن إسلامه ، أي يساقون إليها لا إلى غيرها .

/خ37