القول في تأويل قوله تعالى : { إِذْ تَلَقّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مّا لّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللّهِ عَظِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : لمسّكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم ، حين تلقّونه بألسنتكم . و«إذ » من صلة قوله «لمسّكم » . ويعني بقوله : تَلَقّوْنَهُ تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك ، فتقبلونه ، ويرويه بعضكم عن بعض يقال : تلقيّت هذا الكلام عن فلان ، بمعنى أخذته منه وقيل ذلك لأن الرجل منهم فيما ذُكر يَلْقى آخر فيقول : أَوَ مَا بلغك كذا وكذا عن عائشة ؟ ليُشِيع عليها بذلك الفاحشة . وذكر أنها في قراءة أُبيّ : «إذْ تَتَلقّوْنَهُ » بتاءين ، وعليها قَرَأَهُ الأمصار ، غير أنهم قرءوها : تَلَقّوْنَهُ بتاء واحدة ، لأنها كذلك في مصاحفهم . وقد رُوِي عن عائشة في ذلك ، ما :
حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكَم ، قال : حدثنا خالد بن نزار ، عن نافع ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تقرأ هذه الآية : «إذْ تَلِقُوْنَهُ بألْسِنَتِكُمْ » تقول : إنما هو وَلْق الكذب ، وتقول : إنما كانوا يَلِقُون الكذب . قال ابن أبي مليكة : وهي أعلم بما فيها أنزلت .
قال نافع : وسمعت بعض العرب يقول : اللّيْق : الكذب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجَمَحِيّ ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أنها كانت تقرأ : «إذْ تَلِقُونَهُ بألْسِنَتُكُمْ » وهي أعلم بذلك وفيها أنزلت ، قال ابن أبي مليكة : هو من وَلْق الكذب .
قال أبو جعفر : وكأن عائشة وَجّهت معنى ذلك بقراءتها «تلِقُونَهُ » بكسر اللام وتخفيف القاف ، إلى : إذ تستمرّون في كذبكم عليها وإفككها بألسنتكم ، كما يقال : وَلَق فلان في السير فهو يَلِق : إذا استمرّ فيه وكما قال الراجز :
إنّ الجُلَيْدَ زَلِقٌ وَزُمَلِقْ *** جاءتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشّأَمِ تَلِقْ
*** مجَوّعُ البَطْنِ كِلابِيّ الخُلُقْ ***
وقد رُوي عن العرب في الوَلْق : الكذب : الأَلْق ، والإِلق : بفتح الألف وكسرها ، ويقال في فعلت منه : أَلِقْتُ ، فأنا أَلِقُ وقال بعضهم :
مَنْ لِيَ بالمُزَرّرِ اليَلامِقِ *** صاحِبِ أدْهانٍ وألْقٍ آلِقِ
والقراءة التي لا أستجيز غيرها : إذْ تَلَقّوْنَهُ على ما ذكرت من قراءة الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها .
وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : إذْ تَلَقّوْنَهُ بألْسِنَتِكُمْ قال : تَرْوُونه بعضُكم عن بعض .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إذْ تَلَقّوْنَهُ قال : تَرْوُونه بعضُكم عن بعض .
قوله : وَتَقُولُونَ بأفْوَاهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يقول تعالى ذكره : وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تَرْوُونه ، فتقولون : سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا ، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته . وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنا وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم وتلقّيكموه بعضكم عن بعض ، هَيّنٌ سهل ، لا إثم عليكم فيه ولا حرج . وَهُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ يقول : وتلقّيكم ذلك كلك وقولُكموه بأفواهكم ، عند الله عظيم من الأمر لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إذ تلقونه بألسنتكم} يقول: إذا يرويه بعضكم عن بعض {وتقولون بأفواهكم} يعني: بألسنتكم {ما ليس لكم به علم} يقول: من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق {وتحسبونه هينا} يقول: تحسبون القذف ذنبا هينا {وهو عند الله عظيم} في الوزر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: لمسَّكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم، حين تلَّقونه بألسنتكم، و" إذ "من صلة قوله "لمسَّكم" ويعني بقوله: "تَلَقَّوْنَهُ" تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك، فتقبلونه، ويرويه بعضكم عن بعض يقال: تلقيت هذا الكلام عن فلان، بمعنى أخذته منه، وقيل ذلك؛ لأن الرجل منهم فيما ذُكِرَ يَلْقى آخر، فيقول: أوَمَا بلغك كذا وكذا عن عائشة؟ ليُشيع عليها بذلك الفاحشة. وذكر أنها في قراءة أُبيّ: "إذ تَتَلقَّوْنه" بتاءين، وعليها قراءة الأمصار، غير أنهم قرءوها: (تَلَقَّوْنَهُ) بتاء واحدة؛ لأنها كذلك في مصاحفهم.
وقد رُوي عن عائشة في ذلك، ما حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكَم، قال: ثنا خالد بن نزار، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقرأ هذه الآية:"إذْ تَلِقُونَهُ بِألْسِنَتكُمْ" تقول: إنما هو وَلْق الكذب، وتقول: إنما كانوا يلقون الكذب. قال ابن أبي مليكة: وهي أعلم بما فيها أنزلت، قال نافع: وسمعت بعض العرب يقول: اللَّيق: الكذب...
وكأن عائشة وجَّهت معنى ذلك بقراءتها "تَلِقُونَهُ" بكسر اللام وتخفيف القاف، إلى: إذ تستمرّون في كذبكم عليها، وإفككم بألسنتكم، كما يقال: ولق فلان في السير فهو يَلِق: إذا استمرّ فيه...
والقراءة التي لا أستجيز غيرها: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ" على ما ذكرت من قراءة الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليها...
قوله: "وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ" يقول تعالى ذكره: وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تَرْوُونه، فتقولون: سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته،
"وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا" وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم، وتلقِّيكموه بعضكم عن بعض هين سهل، لا إثم عليكم فيه ولا حرج،
"وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ" يقول: وتلقِّيكم ذلك كذلك وقولُكموه بأفواهكم، عند الله عظيم من الأمر; لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
بالَغَ في الشكاية منهم لِمَا أقدموا عليه بما تأذَّى به قلبُ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- وقلوبُ جميع المخلصين من المسلمين. ثم قال: {وَتَحْسَبُونَهُ هَنِيَّاً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}: وسبيلُ المؤمنِ ألا يستصغرَ في الوفاق طاعةً، ولا يستصغرَ في الخلافِ زَلَّةً، فإنَّ تعظيمَ الأمْرِ تعظيمٌ للآمِرِ. وأهل التحقيق لا ينظرون ما ذلك الفعل ولكن ينظرون مَن الآمرُ به. ويقال: يَسيرُ الزَّلَّةِ، يلاحِظُها العبدُ بعين الاستحقار، فتُحْبِط كثيراً من الأحوال، وتكدِّر كثيراً من صافي المشارب. واليسير من الطاعة -ربما يَسْتَقِلُّها العبدُ- ثم فيها نجاتُه ونجاةُ عالَمٍ معه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: ما معنى قوله: {بأفواهكم} والقول لا يكون إلاّ بالفم؟ قلت: معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب، فيترجم عنه اللسان. وهذا الإفك ليس إلاّ قولاً يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب، كقوله تعالى: {يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167]، [وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم] أي: تحسبونه صغيرة وهو عند الله كبيرة وموجبة. وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام وعلق مسّ العذاب العظيم بها، أحدها: تلقي الإفك بألسنتهم، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول له: ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع وانتشر؛ فلم يبق بيت ولا نادٍ إلاّ طارَ فيه. والثاني: التكلم مما لا علم لهم به. والثالث: استصغارهم لذلك وهو عظيمة من العظائم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
... {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيرا [سهلا] ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هَيِّنا، فكيف وهي زوجة النبي الأمي، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل! الله يغار لهذا، وهو سبحانه وتعالى، لا يُقَدِّر على زوجة نبي من أنبيائه ذلك، حاشا وكَلا. ولما [لم يكن ذلك] فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء، وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة؟...
وفي الصحيحين: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله، لا يدري ما تَبْلُغ، يهوي بها في النار أبْعَد ما بين السماء والأرض "وفي رواية: "لا يلقي لها بالا".
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم بين وقت حلوله وزمان تعجيله بقوله: {إذ} أي مسكم حين {تلقونه} أي تجتهدون في تلقي أي قبول هذا الكلام الفاحش وإلقائه {بألسنتكم} بإشاعة البعض وسؤال آخرين وسكوت آخرين {وتقولون} وقوله: {بأفواهكم} تصوير لمزيد قبحه، وإشارة إلى أنه قول لا حقيقة له، فلا يمكن ارتسامه في القلب بنوع دليل؛ وأكد هذا المعنى بقوله: {ما ليس لكم به علم} أي بوجه من الوجوه، وتنكيره للتحقير {وتحسبونه} بدليل سكوتكم عن إنكاره {هيناً وهو} أي والحال أنه {عند الله} أي الذي لا يبلغ أحد مقدار عظمته {عظيم} أي في حد ذاته ولو كان في غير أم المؤمنين رضي الله عنها، فكيف وهو في جنابها المصون، وهي زوجة خاتم الأنبياء وإمام المرسلين عليه أفضل الصلاة وأفضل التسليم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} فلذلك أقدم عليه من أقدم من المؤمنين الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك، {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهي صورة فيها الخفة والاستهتار وقلة التحرج، وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام... (وتحسبونه هينا).. (وهو عند الله عظيم).. وما يعظم عند الله إلا الجليل الضخم الذي تزلزل له الرواسي، وتضج منه الأرض والسماء..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وإنما جعلت الألسن آلة للتلقي مع أن تلقي الأخبار بالأسماع لأنه لما كان هذا التلقي غايته التحدث بالخبر جعلت الألسن مكان الأسماع مجازاً... وفي هذا من الأدب الأخلاقي أن المرء لا يقول بلسانه إلا ما يعلمه ويتحققه، وإلا فهو أحد رجلين: أفن الرأي يقول الشيء قبل أن يتبين له الأمر فيوشك أن يقول الكذب فيحسبه الناس كذاباً. وفي الحديث: ب « حسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع»،أو رجل مموه مُراء يقول ما يعتقد خلافه...
{وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم}، أي تحسبون الحديث بالقذف أمراً هيّناً. وإنما حسبوه هيِّناً لأنهم استخفُّوا الغيبة والطعن في الناس استصحاباً لما كانوا عليه في مدة الجاهلية إذ لم يكن لهم وازع من الدين يزعهم..
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وفيه توبيخ شديد لهم، فليس ما ارتكبوه هنة صغيرة بل هو جريمة كبيرة تفتك ببناء الجماعة الإسلامية التي من شأنها أن تقوم على تقوى من الله تعالى ورضوان، فترديد الاتهام يسهل الإجرام، وليس ذلك شأن الجماعات الفاضلة...
التعبير {بألسنتكم} الخطاب للجميع مع أنه لم يردد هذا إلا عدد قد أقيم عليهم حد القذف، وحدوا، ولكن خوطب الجميع للإشارة إلى أن واجب الفضلاء إذا سمعوا لغو القول الجارح أن يوقفوا قائليه ويمنعوهم، فإذا سمعوا ولم يتكلموا ولم يشاركوا فكأنهم جميعا تكلموا..
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 12]
ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان...
انظر إلى بلاغة الأداء القرآني في التعبير عن السرعة في إفشاء هذا الكلام وإذاعته دون وعي ودون تفكير، فمعلوم أن تلقي الأخبار يكون بالأذن لا بالألسنة، لكن من سرعة تناقل هذا الكلام فكأنهم يتلقونه بألسنتهم، كأن مرحلة السماع بالأذن قد ألغيت، فبمجرد أن سمعوا قالوا. {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم}، {بأفواهكم} يعني: مجرد كلام تتناقله الأفواه، دون أن يدققوا فيه، لذلك قال بعدها {ما ليس لكم به علم} وهذا الكلام ليس هينا كما تظنون، إنما هو عظيم عند الله، لأنه تناول عرض مؤمن، وللمؤمن حرمته، فما بالك إن كان ذلك في حق رسول الله؟.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} فتأخذون القول الذي سمعتموه بطريقةٍ سطحية لا ترتكز على أيّة حالةٍ من التثبّت والوعي والتدبّر، وتديرون ألسنتكم فيه فينتقل من لسان إلى لسان، {وَتَقُولُونَ بأفواهكم مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} وهذا هو الخطر في حركة الكلمة في لسان قائلها، وفي الموقع الذي تنطلق فيه في الدائرة الاجتماعية الصغيرة والكبيرة، فتثير الأفكار غير الدقيقة فيما إذا كانت الكلمة تحمل فكراً للآخرين وتشوّه الصورة الجميلة، وتحسّن الصورة المشوّهة، وتسيء إلى سمعة الأبرياء، وتنطلق التهمة في حياة الناس الطيبين دون أساس..
{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً} في ما يوحيه الشيطان إليكم من تهوين المسألة في حجمها الواقعي، فهي مجرد كلمات تخرج من اللسان وتدخل الأسماع، وتملأ الوقت، ثم تتطاير في الهواء، وليست عملاً ذا نتائج على مستوى الواقع يخلق مشكلةً ويثير مأزقاً.. {وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} لأنه افتراء على الناس الأبرياء، وتزوير للحقيقة، واعتداء على أجواء الرسالة، بما يتضمن من إساءة إلى الأجواء الداخلية لحياة الرسول، ما يؤدي إلى الخلل في التوازن على أكثر من صعيد..
ثمّ من قال إن الكلمة ليست عملاً؟ فهي قد تكون أخطر من العمل، فقد تحرق الكلمة المجتمع كله عندما تنطلق انفعالاته في أجواء الكلمة لتشتعل وتتحول إلى نار تحرق الحياة من حولها على أكثر من صعيد.