السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ} (15)

ثم بين تعالى وقت حلول العذاب وزمان تعجيله بقوله تعالى :

{ إذ } أي : مسكم حين { تلقونه } أي : تجتهدون في تلقي أي : قبول هذا الكلام الفاحش وإلقائه { بألسنتكم } أي : يرويه بعضكم عن بعض وذلك أن الرجل منهم كان يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا وكذا يتلقونه تلقياً يلقيه بعضهم إلى بعض ، وحذفت من الفعل إحدى التاءين { وتقولون بأفواهكم } أي : كلاماً مختصاً بالأفواه فهو كلام لا حقيقة له فلا يمكن ارتسامه في القلب بنوع دليل وأكد هذا المعنى بقوله تعالى : { ما ليس لكم به علم } أي : بوجه من الوجوه وتنكيره للتحقير .

فإن قيل : القول لا يكون إلا بالفم ، فما معنى قوله تعالى : { بأفواهكم } ؟ أجيب : بأن معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب فيترجم عنه اللسان وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله تعالى : { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } [ آل عمران ، 167 ]

{ وتحسبونه } بدليل سكوتكم عن إنكاره { هيناً } أي : لا إثم فيه { وهو } أي : والحال أنه { عند الله } أي : الذي لا يبلغ أحد مقدار عظمته { عظيم } في الوزر واستجرار العذاب فهذه ثلاثة آثام مرتبة علق بها مس العذاب العظيم تلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك ، وهو عند الله تعالى عظيم .