قوله : «إذْ تَلَقَّوْنَهُ » . «إذْ » منصوب ب «مَسَّكُمْ » أو ب «أَفَضْتُمْ » {[34158]} .
وقرأ العامة : «تَلَقَّوْنَهُ »{[34159]} والأصل : تَتَلَقَّوْنَهُ ، فحُذِفَ إحدى التاءين ك «تَنَزَّل »{[34160]} ونحوه ، ومعناه : يَتَلَقَّاهُ بعضكُمْ من بعضٍ .
قال الكلبي : وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا وكذا ، يتلقونه تلقياً . {[34161]}
قال الزجاج : يلقيه بعضهم إلى بعض {[34162]} .
والبَزِّي{[34163]} على أصله في أنه يُشَدِّدُ التَّاءَ وَصْلاً{[34164]} ، وتقدم تحقيقه في البقرة نحو «ولا تَيَمَّمُوا »{[34165]} وهو هناك سهل ، لأن ما قبله حرف لين بخلافه هنا {[34166]} .
وأبو عمرو والكسائي وحمزة على أصولهم في إدغام الذال في التاء {[34167]} .
وقرأ أُبيّ : «تَتَلَقَّوْنَهُ » بتاءين{[34168]} ، وتقدم أنها الأصل . وقرأ ابن السميفع في رواية عنه : «تُلْقُونه » بضم التاء وسكون اللام وضم القاف{[34169]} مضارع : ألقى إلقاء .
وقرأ هو في رواية أخرى : «تَلْقَونه » بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف{[34170]} مضارع : لقي . وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى وابن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف{[34171]} من ولق الرجل : إذا كذب . قال ابن سيدة{[34172]} : جاءوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي ، وعندي{[34173]} أنه أراد : تلقون فيه ، فحذف الحرف ، ووصل الفعل للضمير{[34174]} ، يعني{[34175]} : أنهم جاءوا ب «تَلَقَّوْنَهُ » وهو متعد مفسراً ب «تكذبون » وهو غير متعد ، ثم حمله على ما ذكر . وقال الطبري{[34176]} وغيره{[34177]} : إن هذه اللفظة مأخوذة من الوَلَق وهو الإسراع بالشيء بعد الشيء ، كعَدْوٍ{[34178]} في إثْر عدو ، وكلامٍ في إثر كلامٍ ، يقال : ولق في سيره أي : أسرع ، وأنشد :
جَاءَتْ بِهِ عِيسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ{[34179]} *** . . .
وقال أبو البقاء : أي : يُسْرِعُون فيه ، وأصله من «الولق » وهو الجنون{[34180]} .
وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر : «تَأْلِقُونَهُ » بفتح التاء وهمزة ساكنة ولام مكسورة وقاف مضمومة{[34181]} من «الأَلَق » وهو الكَذِبُ{[34182]} . وقرأ يعقوب{[34183]} : «تِيلَقُونه » بكسر التاء من فوق ، بعدها ياء ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة{[34184]} ، وهو مضارع «وَلِق » بكسر اللام ، كما قالوا : «تيجل » مضارع «وَجِل » . وقوله : «بِأَفْوَاهِكمْ » كقوله : «يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ »{[34185]} وقد تقدم .
اعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام ، وعلق مس العذاب العظيم بها .
أحدها : تلقي الإفك{[34186]} بألسنتهم ، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل يقول له : ما وراءك ؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر ، ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه . فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة ، وذلك من العظائم{[34187]} .
وثانيها : أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به ، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم ، ونظيره : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }{[34188]} [ الإسراء : 36 ] .
وثالثها : أنهم كانوا يستصغرون ذلك ، وهو عظيمة من العظائم {[34189]} .
وتدل الآية على أن القذف من الكبائر لقوله : { وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ } ، وتدل على أن الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه .
ونبه بقوله : «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً » على أن عمل المعصية لا يختلف بظن فاعله وحسبانه ، بل ربما كان ذلك مؤكداً لعظمه{[34190]} .
فإن قيل : ما معنى قوله : «بِأَفوَاهِكُمْ » والقول لا يكون إلاّ بالفم ؟
فالجواب : معناه : أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب ، فيترجم عنه باللسان ، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في القلب علم به كقوله : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم{[34191]} مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ{[34192]} }{[34193]} [ آل عمران : 167 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.