جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بّكِتَابِي هََذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قالَ سليمان للهدهد : سَنَنْظُرُ فيما اعتذرت به من العذر ، واحتججت به من الحجة لغيبتك عنا ، وفيما جئتنا به من الخير أصَدَقْتَ في ذلك كله أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ فيه اذْهَبْ بكِتابِي هذَا فأَلْقْهِ إِلَيْهِمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ فانْظُرْ ماذَا يَرْجِعُونَ .

فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معناه : اذهب بكتابي هذا ، فألقه إليهم ، فانظر ماذا يَرْجِعون ، ثم تولّ عنهم منصرفا إليّ ، فقال : هو من المؤخّر الذي معناه التقديم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : فأجابه سليمان ، يعني أجاب الهدهد لَمّا فرغ : قالَ سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ . اذْهَبْ بكِتابِي هَذَا فَألْقِهْ إلَيْهِمْ وانظر ماذا يرجعون ، ثم تولّ عنهم منصرفا إليّ . وقال : وكانت لها كَوّة مستقبلةُ الشمس ، ساعة تطلع الشمس تطلع فيها فتسجد لها ، فجاء الهدهد حتى وقع فيها فسدّها ، واستبطأت الشمس ، فقامت تنظر ، فرمى بالصحيفة إليها من تحت جناحه ، وطار حتى قامت تنظر الشمس .

قال أبو جعفر : فهذا القول من قول ابن زيد يدلّ على أن الهدهد تولى إلى سليمان راجعا ، بعد إلقائه الكتاب ، وأن نظره إلى المرأة ما الذي ترجع وتفعل كان قبل إلقائه كتاب سليمان إليها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تولّ عنهم ، فكن قريبا منهم ، وانظر ماذا يرجعون قالوا : وفعل الهدهد ، وسمع مراجعة المرأة أهل مملكتها ، وقولها لهم : إنّي أُلْقِيَ إليّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إنّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ، وَإنّهُ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ وما بعد ذلك من مراجعة بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، قوله : فَأَلْقِهْ إلَيْهمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ : أي كن قريبا فانْظُرْ ماذَا يَرْجِعُونَ . وهذا القول أشبه . بتأويل الاَية ، لأن مراجعة المرأة قومها ، كانت بعد أن ألقي إليها الكتاب ، ولم يكن الهدهد لينصرف وقد أُمر بأن ينظر إلى مراجعة القوم بينهم ما يتراجعونه قبل أن يفعل ما أمره به سليمان .