اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَقۡبَلُوٓاْ إِلَيۡهِ يَزِفُّونَ} (94)

قوله ( تعالى ) : { يَزِفُّونَ } حال من فاعل «أقْبَلُوا » . و «إلَيْهِ » يجوز تعلقه بما قبله أو بما بعده{[47219]} ، وقرأ حمزة يُزِفُّونَ بضم الياء{[47220]} من أَزَفَّ . وله معنيان :

أحدهما : أنه من أزف يُزِفّ أي دخل في الزفيف{[47221]} وهو الإسراع ، أو زِفاف العَرُوس ، وهو المشى على هَيْئَةٍ ؛ لأن القوم كانوا في طمأنينة من أمرهم ، كذا قيل .

وهذا الثاني ليس بشيء ، إذ المعنى أنهم لما سمعوا بذلك بادروا مسرعين ، فالهمزة على هذا ليست للتعدية{[47222]} .

والثاني : أنه من أزَفَّ غَيْرَهُ أي حمله على الزفيف وهو الإسراع ، أو على الزِّفَاف{[47223]} ، وقد تقدم ما فيه ، وباقي السبعة بفتح الياء من زفَّ الظليمُ{[47224]} يَزِفُّ أي عَدَا بسُرعة{[47225]} . وأصل الزفيف للنعام . وقرأ مجاهد وعبد الله بن يزيد{[47226]} والضحاك وابن أبي عبلة : يَزِفُونَ من وَزَفَ يَزِفُ أي أسرع إلا أنَّ الكِسائيِّ والفراءَ قالا لا نعرفها بمعنى زَفَّ{[47227]} . وقد عرفها غيرهما ، قال مجاهد- وهو بعض من قرأ بها- : الوزيفُ النسلان{[47228]} ، وقرئ : يُزَفُّونَ مبنياً للمفعول ويَزْفُونَ كَيرمُونَ من زَفَاهُ بمعنى حداه كأن بعضهم يَزْفُو بعضاً لتسارعهم إليه{[47229]} ، وبين قوله : { فَأَقْبَلَوا } وقوله { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ } جمل محذوفة يدل عليها الفَحْوى أي فبلغهم الخبر ، فرجعوا من عيدهم ونحو هذا . {[47230]}

قال ابن عرفة{[47231]} : من قرأ بالنصب{[47232]} فهو من زَفّ يَزِفُّ ( ومن{[47233]} قرأ بالضم فهو من : أَزَفَّ يزف ){[47234]} قال الزجاج : يَزِفُون يسرعون ، وأصله من زفيف النعامة وهو من أشدّ{[47235]} عَدْوِهَا .


[47219]:السابق أيضا.
[47220]:من المتواتر انظرها في السبعة 548 ومعاني الفراء 2/388 والكشاف 3/345 وحجة ابن خالويه 302 والنشر 2/357.
[47221]:وأزف عن ابن الأعرابي وقال اللحياني: أزف بعد اللغتين اللسان 1842.
[47222]:البحر 7/366 والسمين 4/561.
[47223]:الكشف 2/225 والكشاف 3/345 وقد تعرض للأول أيضا.
[47224]:ذكر النعام.
[47225]:وانظر السبعة 548.
[47226]:هو عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن القرشي المقرىء البصري ثم المكي إمام كبير في الحديث ومشهور في القراءات ثقة روى الحروف عن عاصم، وله اختيار في القراءة ينسب إليه. مات سنة 213 هـ. انظر: طبقات القراء 1/463 وانظر قراءته هو ومن تبعه في المختصر لابن خالويه 128 والمحتسب لابن جني 2/221 والكشاف 3/345 والدر المصون 4/561.
[47227]:قال في المعاني: "وقد قرأ بعض القراء يزفون بالتخفيف كأنه من وزف يزف، وزعم الكسائي أنه لا يعرفها. وقال الفراء: لا أعرفها أيضا إلا أن تكون لم تقع إلينا". المعاني 2/389.
[47228]:انظر: البحر المحيط 7/366 والدر المصون 4/561 وانظر أيضا اللسان: "وزف" 4826.
[47229]:لم ينسب أبو حيان ولا الزمخشري هاتين القراءتين في البحر 7/366 والكشاف 3/345 ونسب ابن منظور الأولى للأعمش ونسبها صاحب الشواذ لابن مقسم ونسب الثانية لابن أبي عبلة الشواذ 206، وانظر معنى الثانية في الكشاف.
[47230]:وهو ما يسمى بإيجاز الحذف. انظر: الدر المصون 4/562، 563.
[47231]:أبو عبد الله إبراهيم بن محمد الواسطي كان عالما بالحديث والعربية أخذ عن ثعلب والمبرد وغيرهما مات سنة 333 انظر: نزهة الألباء 175: 177.
[47232]:يقصد نصب الياء.
[47233]:ما بين القوسين سقط من ب.
[47234]:وانظر: الرازي 26/148.
[47235]:في المعاني: ابتداء. وانظر: المعاني 4/309.