الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَأَقۡبَلُوٓاْ إِلَيۡهِ يَزِفُّونَ} (94)

{ يَزِفُّونَ } يسرعون ، من زفيف النعام . ويزفون : من أزفّ ، إذا دخل في الزفيف . أو من أزفه ، إذا حمله على الزفيف ، أي : يزفّ بعضهم بعضاً . ويزفون ، على البناء للمفعول ، أي : يحملون على الزفيف . ويزفون ، من وزف يزف إذا أسرع . ويزفون : من زفاه إذا حداه كأنّ بعضهم يزفو بعضاً لتسارعهم إليه ،

فإن قلت : بين هذا وبين قوله تعالى : { قَالُواْ مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم } [ الأنبياء : 59 -60 ] كالتناقض حيث ذكر ههنا أنهم أدبروا عنه خيفة العدوى ، فلما أبصروه يكسرهم أقبلوا إليه متبادرين ليكفوه ويوقعوا به ، وذكر ثم أنهم سألوا عن الكاسر ، حتى قيل لهم : سمعنا إبراهيم يذمهم ، فلعله هو الكاسر ؛ ففي أحدهما أنهم شاهدوه يكسرها ، وفي الآخر : أنهم استدلوا بذمه على أنه الكاسر . قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون الذين أبصروه وزفوا إليه نفراً منهم دون جمهورهم وكبرائهم ، فلما رجع الجمهور والعلية من عيدهم إلى بيت الأصنام ليأكلوا الطعام الذي وضعوه عندها لتبرك عليه ورأوها مكسورة اشمأزوا من ذلك ، وسألوا : من فعل هذا بها ؟ ثم لم ينم عليه أولئك النفر نميمة صريحة ، ولكن على سبيل التورية التعريض بقولهم «سمعنا فتى يذكرهم » لبعض الصوارف . والثاني : أن يكسرها ويذهب ولا يشعر بذلك أحد ، ويكون إقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم وسؤالهم عن الكاسر . وقولهم : { قالوا : فأتوا به على أعين الناس } [ الأنبياء : 61 ] .