جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٖ} (32)

وقوله : هَذَا ما تُوعَدُونَ يقول : قال لهم : هذا الذي توعدون أيها المتقون ، أن تدخلوها وتسكنوها وقوله : لِكُلّ أوّابٍ يعني : لكل راجع من معصية الله إلى طاعته ، تائب من ذنوبه .

وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : هو المسبح ، وقال بعضهم : هو التائب ، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغني عن إعادته ، غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك .

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس لِكُلّ أوّابٍ قال : لكلّ مسبّح .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مسلم الأعور ، عن مجاهد ، قال : الأوّاب : المسبح .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثني يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، قال : ثني أبي ، عن الحكم بن عُتيبة في قول الله : لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال : هو الذاكر الله في الخلاء .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن يونس بن خباب ، عن مجاهد لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال : الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هَذَا ما تُوعَدُونَ لِكُلّ أوّابٍ .

قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن عيسى الحناط ، عن الشعبيّ ، قال : هو الذي يذكر ذنوبه في خلاء فيستغفر منها حَفِيظٍ : أي مطيع لله كثير الصلاة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال : الأوّاب : التوّاب الذي يؤوب إلى طاعة الله ويرجع إليها .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن يونس بن خباب في قوله : لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال : الرجل يذكر ذنوبه ، فيستغفر الله لها .

وقوله : حَفِيظٍ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : حفظ ذنوبه حتى تاب منها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، قال : سألت ابن عباس ، عن الأوّاب الحفيظ ، قال : حفظ ذنوبه حتى رجع عنها .

وقال آخرون : معناه : أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة حَفِيظٍ قال : حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأوّاب بأنه حفيظ ، ولم يخصّ به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع ، فالواجب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه ، فيقال : هو حفيظ لكلّ ما قرّ به إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلَفت منه للتوبة منها والاستغفار .