وقوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ يقول : وما أنا بظلام للعبيد في يَوْمَ نَقُولُ لجَهَنّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وذلك يوم القيامة ، ويوم نقول من صلة ظلاّم . وقال تعالى ذكره لجهنم يوم القيامة : هَلِ امْتَلأْتِ ؟ لما سبق من وعده إياها بأنه يملأها من الجِنّة والناس أجمعين .
وأما قوله : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما من مزيد . قالوا : وإنما يقول الله لها : هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قطِ قطِ ، من تضايقها فإذا قال لها وقد صارت كذلك : هل امتلأت ؟ قالت حينئذ : هل من مزيد : أي ما من مزيد ، لشدّة امتلائها ، وتضايق بعضها إلى بعض . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال ابن عباس : إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجَمعِينَ فلما بعث الناس وأحضروا ، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا ، جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا ، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها ، ولا يملأها شيء ، قالت : ألستَ قد أقسمت لتملأني من الجِنّة والناس أجمعين ؟ فوضع قدمه ، فقالت حين وضع قدمه فيها : قدِ قدِ ، فإني قد امتلأت ، فليس لي مزيد ، ولم يكن يملأها شيء ، حتى وَجَدَتْ مسّ ما وُضع عليها ، فتضايقت حين جَعل عليها ما جعل ، فامتلأت فما فيها موضع إبرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال : وعدها الله ليملأنها ، فقال : هلا وفيتكِ ؟ قالت : وهل من مَسلكٍ .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ كان ابن عباس يقول : إن الله الملك ، قد سبقت منه كلمة لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ لا يلقى فيها شيء إلا ذهب فيها ، لا يملأها شيء ، حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها ، وهي لا يملأها شيء ، أتاها الربّ فوضع قدمه عليها ، ثم قال لها : هل امتلأتِ يا جهنم ؟ فتقول : قطِ قطِ قد امتلأت ، ملأتني من الجنّ والإنس فليس فيّ مزيد قال ابن عباس : ولم يكن يملأها شيء حتى وجدت مسّ قدم الله تعالى ذكره ، فتضايقت ، فما فيها موضع إبرة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : زدني ، إنما هو هل من مزيد ، بمعنى الاستزادة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن ثابت ، عن أنس ، قال : يلقى في جهنم وتقول : هل من مزيد ثلاثا ، حتى يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قطِ قطِ ، ثلاثا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ لأنها قد امتلأت ، وهل من مزيد : هل بقي أحد ؟ قال : هذان الوجهان في هذا ، والله أعلم ، قال : قالوا هذا وهذا .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو بمعنى الاستزادة ، هل من شيء أزداده ؟
وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما :
حدثني أحمد بن المقدام العجلي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاويّ ، قال : حدثنا أيوب ، عن محمد ، عن أبي هُريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ ، لَمْ يَظْلِمِ اللّهُ أحَدا مِنْ خَلْقِهِ شَيْئا ، وَيُلْقِي فِي النّارِ ، تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حتى يَضَعَ عَلَيْها قَدَمَهُ ، فَهُنالكَ يَمْلأُها ، وَيُزْوَي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ : قَطْ قَطْ » .
حدثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدّث عن قتادة ، عن أنس ، قال : ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع الله عليها قدمه ، فتقول : قدِ قدِ ، وما يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله خلقا ، فيُسكنه فضول الجنة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب وهشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هُريرة ، قال : اختصمت الجنة والنار ، فقالت الجنة : ما لي إنما يدخلني فقراء الناس وسقطهم وقالت النار : ما لي إنما يدخلني الجبارون والمتكبرون ، فقال : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، وأنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكلّ واحدة منكما ملؤها . فأما الجنة فإن الله ينشىء لها من خلقه ما شاء . وأما النار فيُلقون فيها وتقول : هل من مزيد ؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد ، حتى يضع فيها قدمه ، فهناك تملأ ، ويزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط ، قط .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ثور ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «احْتَجّتِ الجَنّةُ والنّارُ ، فَقالَتِ الجَنّةُ : مالي لا يَدْخُلُنِي إلا فُقَرَاءُ النّاسِ ؟ وَقالتِ النّارُ : مالي لا يَدْخُلُنِي إلاّ الجَبّارُونَ والمُتَكَبّرُونَ ؟ فَقالَ للنّارِ : أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ وَقالَ للْجَنّةِ : أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ ، وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها فأمّا الجَنّةُ فإنّ الله عَزّ وَجَلّ يُنْشىءُ لَهَا ما شاء وأمّا النّارَ فَيُلْقُوْنَ فِيها وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها ، هُنالكَ تَمْتَلِىء ، وَيَنزْوِي بَعْضُها إلى بَعْضٍ ، وَتَقُولُ : قَطْ ، قَطْ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَزَالُ جَهَنّمُ يُلْقَى فِيها وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزيدٍ حتى يَضَعَ رَبّ العالَمِينَ قَدَمَهُ ، فيَنْزَوي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ : قَدْ ، قَدْ ، بِعِزّتِك وكَرَمِكَ ، وَلا يَزَالُ فِي الجَنّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشىءَ اللّهُ لَهَا خَلْقا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنّةِ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا أبان العطار ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتى يَضَعَ رَبّ العالَمِينَ فِيها قَدَمَه ، فَيَنْزَوِي بَعْضُها إلى بَعْض ، فَتَقُولُ : بِعِزّتِكَ قَطْ ، قَطْ وَما يَزَالُ فِي الجَنّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشِىءَ اللّهُ خَلْقا فَيُسْكِنَه في فَضْلِ الجَنّةِ » .
قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، قال : ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد ، فذكر نحوه غير أنه قال : أو كما قال .
حدثنا زياد بن أيوب ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «احْتَجّتِ الجَنّةُ والنّارُ ، فَقالَتِ النّارُ : يَدْخُلُنِي الجَبّارُونَ والمُتَكَبّرُونَ وَقالَتِ الجَنّةُ : يَدْخُلُنِي الفُقَرَاءُ وَالمَساكِينُ فأَوْحَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ إلى الجَنّة : أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ وأَوْحَى إلى النّارِ : أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَن أشاءُ ، وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها فأمّا النّارُ فَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها ، فتَقُولُ : قَطْ قَطْ » . ففي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ » دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي ، لأن قوله : «لا تزال » دليل على اتصال قول بعد قول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.