التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ} (5)

لما كان الأمر كذلك ، وصف - سبحانه - هؤلاء المكذبين بالبعث والجزاء بأوصاف أخرى ، فقال : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ . الذين هُمْ يُرَآءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الماعون } .والفاء في قوله : { فَوَيْلٌ } للتفريع والتسبب ، والويل : الدعاء بالهلاك والعذاب الشديد .

وهو مبتدأ ، وقوله { لِّلْمُصَلِّينَ } خبره ، والمراد بالسهو هنا : الغفلة والترك وعدم المبالاة .

أى : فهلاك شديد ، وعذاب عظيم ، لمن جمع هذه الصفات الثلاث ، بعد تكذيبه بيوم الدين ، وقسوته على اليتيم ، وامتناعه عن إطعام المسكين .

وهذه الصفات الثلاث أولها : الترك للصلاة ، وعدم المبالاة بها ، والإِخلال بشروطها وأركانها وسننها وآدابها .

وثانيها : أداؤها رياء وخداعا ، لا عن إخلاص وطاعة لله رب العالمين ، كما قال - تعالى - :

{ إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً }

وثالثها : منع الماعون : أي منع الخير والمعروف والبر عن الناس . فالمراد بمنع الماعون : مع كل فضل وخير عن سواهم . فلفظ " الماعون " أصله " معونة " ، والألف عوض من الهاء . والعون : هو مساعدة الغير على بلوغ حاجته . . فالمراد بالماعون : ما يستعان به على قضاء الحوائج ، من إناء ، أو فأس ، أو نار ، أو ما يشبه ذلك .

ومنهم من يرى أن المراد بالماعون هنا : الزكاة ؛ لأنه جرت عادة القرآن الكريم أن يذكر الزكاة بعد الصلاة .

قال الإِمام ابن كثير : قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } أى : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه ، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ، ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم ، فهؤلاء لمنع الزكاة ومنع القربات أولى وأولى . .

وسئل ابن مسعود عن الماعون فقال : هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقِدْر . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ} (5)

وقوله : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } صفة { للمصلين } مقيِّدة لحكم الموصوف فإن الويل للمصلي الساهي عن صلاته لا للمصلي على الإطلاق .

فيكون قوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } ترشيحاً للتهكم الواقع في إطلاق وصف المصلين عليهم .

وعدي { ساهون } بحرف { عن } لإفادة أنهم تجاوزوا إقامة صلاتهم وتركوها ولا علاقة لهذه الآية بأحكام السهو في الصلاة .

وقوله : { الذين عن صلاتهم ساهون } يجوز أن يكون معناه الذين لا يؤدون الصلاة إلاّ رياء فإذا خلوا تركوا الصلاة .

ويجوز أن يكون معناه : الذين يصلون دون نية وإخلاص فهم في حالة الصلاة بمنزلة الساهي عما يفعل فيكون إطلاق { ساهون } تهكماً كما قال تعالى : { يراءون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليلاً في المنافقين } في سورة النساء ( 142 ) .

و ( يراءون ) يقصدون أن يَرى الناسُ أنهم على حال حسن وهم بخلافه ليتحدث الناس لهم بمحاسنَ ما هم بموصوفين بها ، ولذلك كَثر أن تعطف السُّمعة على الرياء فيقال : رياء وسُمعة .

وهذا الفعل وارد في الكلام على صيغة المفاعلة ولم يسمع منه فعل مجرد لأنه يلازمه تكرير الإِراءة .

و{ الماعون } : يطلق على الإِعانة بالمال ، فالمعنى : يمنعون فضلهم أو يمنعون الصدقة على الفقراء . فقد كانت الصدقة واجبة في صدر الإِسلام بغير تعيين قبل مشروعية الزكاة .

وقال سعيد بن المسيب وابن شهاب : الماعون : المال بلسان قريش .

وروى أشهب عن مالك : الماعون : الزكاة ، ويشهد له قول الراعي :

قوم على الإِسلام لمّا يمنعوا *** ماعونهم ويضيِّعوا التهليلا

لأنه أراد بالتهليل الصلاة فجمع بينها وبين الزكاة .

ويطلق على ما يستعان به على عمل البيت من آنية وآلات طبخ وشدّ وحفر ونحو ذلك مما لا خسارة على صاحبه في إعارته وإعطائه . وعن عائشة : الماعون الماء والنار والملح . وهذا ذم لهم بمنتهى البخل . وهو الشح بما لا يزرئهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم نعتهم ، فقال : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } يعني لاهون عنها ، حتى يذهب وقتها ، وإن كانوا في خلال ذلك يصلونها . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِين هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } يقول تعالى ذكره : فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون ، لا يريدون الله عزّ وجلّ بصلاتهم ، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }؛

فقال بعضهم : عُنِي بذلك أنهم يؤخّرونها عن وقتها ، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها ...

وقال آخرون : بل عُني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها ... عن ابن عباس ، في قوله : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فهم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية بغضا لهم ، وهو الماعون ...

وقال آخرون : بل عُني بذلك أنهم يتهاونون بها ، ويتغافلون عنها ويَلْهُونَ ...

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله : "ساهُونَ" : لاهون يتغافلون عنها ، وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها ، تضييعها أحيانا ، وتضييع وقتها أخرى، وإذا كان ذلك كذلك صحّ بذلك قول من قال : عُنِي بذلك ترك وقتها ، وقول من قال : عُنِي به تركها ، لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

كأنه قال : فإذا كان الأمر كذلك ، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها ، حتى تفوتهم أو يخرج وقتها ، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف ، ولكن ينقرونها نقراً من غير خشوع وإخبات ، ولا اجتناب لما يكره فيها : من العبث باللحية ، والثياب ، وكثرة التثاؤب ، والالتفات ، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف ، ولا ما قرأ من السور ، وكما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ، ومنع حقوق أموالهم ....

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ الذين هم } أي بضمائرهم وخالص سرائرهم . ولما كان المراد تضييعهم قال : { عن } دون في { صلاتهم } ، أي هي جديرة بأن تضاف إليهم لوجوبها عليهم وإيجابها لأجل مصالحهم ومنافعهم بالتزكية وغيرها . { ساهون } أي عريقون في الغفلة عنها ، وتضييعها ، وعدم المبالاة بها ، وقلة الالتفات إليها ، ويوضح ذلك أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ " لاهون " . وفائدة التعبير بالوصف الدلالة على ثبوته لهم ثبوتاً يوجب أن لا يذكروها من ذات أنفسهم أصلاً ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الذين يؤدون حركات الصلاة ، وينطقون بأدعيتها ، ولكن قلوبهم لا تعيش معها ، ولا تعيش بها ، وأرواحهم لا تستحضر حقيقة الصلاة وحقيقة ما فيها من قراءات ودعوات وتسبيحات .

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فيكون قوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } ترشيحاً للتهكم الواقع في إطلاق وصف المصلين عليهم . ... وعدي { ساهون } بحرف { عن } لإفادة أنهم تجاوزوا إقامة صلاتهم وتركوها ولا علاقة لهذه الآية بأحكام السهو في الصلاة . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ويلاحظ أنّ الآية لم تقل «في صلاتهم ساهون » ؛ لأنّ السهو في الصلاة يعرض لكلّ فرد ، ولكنّها قالت : «عن صلاتهم ساهون » . فهم يسهون عن الصلاة بأجمعها . واضح أنّ هذه الحالة لو اتفق وقوعها مرّة أو مرات لأمكن أن يكون ذلك عن قصور . لكن الذي يسهو عن صلاته دائماً فهو المهمل لصلاته ، لعدم إيمانه بها ، وإذا صلى أحياناً فلخوف من ألسن النّاس وأمثال ذلك .