وهنا يرد عليهم الأب الذي يشعر بغير ما يشعرون به من ألم وأمل . . . { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
و { البث } ما ينزل بالإِنسان من مصائب يعظم حزن صاحبها بسببها . حتى أنه لا يستطيع إخفاء هذا الحزن ، وأصله التفريق وإثارة الشئ ومنه قولهم : بثت الريح التراب إذا فرقته .
قالوا : والإِنسان إذا قدر على كتم ما نزل به من المصائب كان حزناً ، وإذا لم يقدر على كتمه كان بثاً . . .
والمعنى : قال يعقوب لأولاده الذن لاموه على شدة حزنه على يوسف : إنما أشكو ، { بثى } أى : همى الذي انطوى عليه صدريى { إلى الله } - تعالى - وحده ، لا إلى غيره ، فهو العليم بحالى ، وهو القادر على تفريج كربى ، فاتركونى وشأنى مع ربى وخالقى . فإنى { وَأَعْلَمُ مِنَ الله } أى : من لطفه وإحسانه وثوابه على الصبر على المصيبة { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أنتم ، وإنى لأرجو أن يرحمنى وأن يلطف بى ، وأن يجمع شملى بمن فارقنى من أولادى ، فإن حسن ظنى به - سبحانه - عظيم .
قال صاحب الظلال : " وفى هذه الكلمات - التي حكاها القرآن عن يعقوب - عليه السلام - يتجلى الشعور بحقيقة الألوهية في هذا القلب الموصول ، كما تتجلى هذه الحقيقة ذاتها بجلالها الغامر ، ولألائها الباهر .
إن هذا الواقع الظاهر الميئس من يوسف ، وهذا المدى الطويل الذي يقطع الرجاء من حياته فضلاً عن عودته إلى أبيه . . . إن هذا كله لا يؤثر شيئاً في شعور الرجل الصالح بربه ، فهو يعلم من حقيقة ربه ومن شأنه ما لا يعلمه هؤلاء المحجوبون عن تلك الحقيقة . . .
وهذه قيمة الإِيمان بالله . . .
إن هذه الكلمات { وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } تجلو هذه الحقيقة بما لا تملك كلماتنا نحن أن تجلوها ، وتعرض مذاقا يعرفه من ذاق مثله ، فيدرك ماذا تعنى هذه الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب . . . والقلب الذي ذاق هذا المذاق ، لا تبليغ الشدائد منه - مهما - بلغت إلا أن يتعمق اللمس والمشاهدة والمذاق . . . "
البَثّ : الهمّ الشديد ، وهو التفكير في الشيء المُسيء . والحزن : الأسف على فائت . فبينَ الهمّ والحزنِ العمومُ والخصوص الوجهي ، وقد اجتمعا ليعقوب عليه السلام لأنه كان مهتماً بالتفكير في مصير يوسف عليه السلام وما يعترضه من الكرب في غربته وكان آسفاً على فراقه .
وقد أعقب كلامه بقوله : { وأعلم من الله ما لا تعلمون } لينبّههم إلى قصور عقولهم عن إدراك المقاصد العَالية ليعلموا أنهم دون مرتبة أن يعلّموه أو يلوموه ، أي أنا أعلم علماً من عند الله علّمنيه لا تعلمونه وهو علم النبوءة . وقد تقدم نظير هذه الجملة في قصة نوح عليه السلام من سورة الأعراف فهي من كلام النبوءة الأولى . وحكي مثلها عن شعيب عليه السلام في سورة الشعراء .
وفي هذا تعريض برد تعرضهم بأنه يطمع في المحال بأن ما يحسبونه محالاً سيقع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.