وقال يعقوب عند ذلك لمّا رأى غلظتهم وسوء لفظهم ، { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ } لا إليكم ، قال المفسّرون دخل على يعقوب جار له فقال : يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك ؟ قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من مُصاب يوسف ، فأوحى الله إليه : يا يعقوب تشكوني إلى خلقي ؟ قال : يا ربّ خطيئة أخطأتها فاغفر لي ، قال : فإنّي قد غفرتها لك وكان بعد ذلك إذا سُئل قال : إنّما أشكو بثّي وحُزني إلى الله .
وقال حبيب بن أبي ثابت : بلغني أنّ يعقوب كبر حتى سقط حاجباه على عينيه ، وكان يرفعهما بخرقة ، فقال له رجل : ما بلغ بك ما أرى ؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان .
فأوحى الله إليه : يا يعقوب تشكوني ، فقال : خطيئة أخطأتها فاغفرها لي .
وعن عبدالله بن قميط ، قال : سمعت أبي يقول : بلغنا أنّ رجلا قال ليعقوب ( عليه السلام ) : ما الذي أذهب بصرك ؟ قال : حزني على يوسف ، قال : فما الذي قوّس ظهرك ؟ قال : حزني على أخيه ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا يعقوب أتشكوني ؟ وعزّتي وجلالي لو كانا ميّتين لأخرجتهما لك حتى تنظر إليهما ، وإنّما وجدت عليكم أنّكم ذبحتم شاة فأتاكم مسكين فلم تطعموه شيئاً ، وأنّ أحبّ خلقي إليّ الأنبياء ثمّ المساكين ، فاصنع طعاماً وادعُ إليه المساكين ، فصنع طعاماً ، ثمّ قال : من كان صائماً فليفطر الليلة عند آل يعقوب .
وروى أبو عمران عن أبي الخلد ووهب بن منبه ، قالا : أوحى الله تعالى إلى يعقوب : تدري لم عاقبتك وغيّبت عنك يوسف وبنيامين ؟ قال : لا إلهي ، قال : لأ نّك شويت عتاقاً وقترت على جارك ، وأكلت ولم تطعمه ، ويقال : إنّ سبب ابتلاء يعقوب بفقد يوسف ، أنّه كانت له بقرة ولها عجول فذبح عجولها بين يديها ، وإنّما كانت تخور فلم يرحمها ، فأخذه الله به وابتلاه بفقد يوسف أعزّ ولده .
وقال وهب بن منبه والسدّي وغيرهما : أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن ، فقال : هل تعرفني أيّها الصدّيق ؟ قال : أرى صورة طاهرة وريحاً طيّبة ، قال : فإنّي رسول ربّ العالمين ، وأنا الروح الأمين ، قال : فما الذي أدخلك حبس المذنبين وأنت أطيب الطيّبين ، ورأس المقرّبين ، وأمين ربّ العالمين ؟ قال : ألم تعلم يا يوسف أنّ الله يُطهّر البيوت لهؤلاء الطيّبين ، وأنّ الأرض التي تدخلونها هي أطهر الأرضين ، وأنّ الله قد طهّر بك السجن وما حوله يا أطهر الطاهرين وابن الصالحين ؟
قال : كيف لي بابن الصدّيقين وتعدّني من المخلصين ، وقد أدخلت مدخل المُذنبين ، سمّيت باسم المفسدين ؟ قال : لأنّه لم يفتتن قلبك ولم تطع سيدتك في معصية ربّك فلذك سمّاك الله في الصدّيقين ، وعدّك مع المخلصين وألحقك بآبائك الصالحين ، قال : هل لك علم بيعقوب أيّها الروح الأمين ؟ قال : نعم وهب الله له البلاء الجميل وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم ، قال : فما قدر حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : فماذا له من الأجر يا جبرئيل ؟ قال : أجر مائة شهيد ، قال : أفتراني لاقيه ؟ قال : نعم ، فطابت نفس يوسف ، قال : ما أُبالي ما ألفيته أن رأيته .
وأمّا قوله بثّي فالبثّ : أشدّ الحزن سُمّي بذلك لأنّ صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثّه أي يُظهره ، يقال : بثّ ، يبثّ فهو باثّ وأبثّ [ يأبثه أبثاً ] يُبثّ فهو مُبثّ إذا أظهره قال ذو الرمّة :
وقفتُ على ربع لميّة ناقتي *** فما زلتُ أبكي عندهُ وأُخاطبه
وأسقيه حتى كاد ممّا أبُثّه *** تكلّمني أحجاره وملاعبه
وقال الحسن : بثّي أي حاجتي ، وقال محمّد بن القاسم الأنباري : البثّ : التفرق ، وقال محمّد بن إسحاق : معناه : إنّما أشكو حزني الذي أنا فيه إلى الله ، وهو من بثّ الحديث .
{ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال ابن عباس : يقول أعلم أنّ رؤيا يوسف صادقة وأني وأنتم سنسجد له ، وقال آخرون : وأعلم أنّ يوسف حيّ .
قال السدّي : لما أخبره ولده بسيرة الملك وقوله أحسّت نفس يعقوب فطمع وقال : لعلّه يوسف ، ويروى أنّه رأى الملك في المنام فسأله : هل قبضت روح يوسف ؟ قال : لا والله ، وهو حيّ .
ويقال : أرسل الله إليه ذئباً فسلّم عليه وكلّمه ، فقال له يعقوب : أكلت ابني وقّرة عيني وثمرة فؤادي ؟ قال : قد والله علمتَ يا يعقوب أنّ لحوم الأنبياء وأولاد الأنبياء علينا حرام ، فلذلك قال لبنيه : { يبَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.