الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قَالَ إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (86)

وأخرج ابن جرير عن طلحة بن مصرف الأيامي قال : ثلاثة لا تذكرهن واجتنب ذكرهن : لا تَشْكُ مرضك ، ولا تَشْكُ مصيبتك ، ولا تُزَكِّ نفسكَ . قال : وأنبئت أن يعقوب عليه السلام دخل عليه جار له فقال : يا يعقوب ، ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك ؟ قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف ، وذكره . فأوحى الله إليه «يا يعقوب ، أتشكوني إلى خلقي ؟ فقال : يا رب ، خطيئة أخطأتها فاغفرها لي . قال : فإني قد غفرت لك » . فكان بعد ذلك إذا سئل قال { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير ، عن مسلم بن يسار - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال «من بث لم يصبر » ثم قرأ { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } .

وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كنوز البر ، إخفاء الصدقة ، وكتمان المصائب والأمراض ، ومن بث لم يصبر » .

وأخرج البيهقي من وجه آخر ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب - رضي الله عنه - قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ثلاث من كنوز البر : كتمان الصدقة ، وكتمان المصيبة ، وكتمان المرض » .

وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه ، عن أنس - رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أصبح حزيناً على الدنيا ، أصبح ساخطاً على ربه . ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به ، فإنما يشكو الله . ومن تضعضع لغني لينال من دنياه ، أحبط الله ثلثي عمله . ومن أعطي القرآن فدخل النار ، فأبعده الله » .

وأخرج البيهقي وضعفه ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً مثله .

وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : ثلاث من ملاك أمرك : أن لا تشكو مصيبتك ، وأن لا تحدث بوجعك ، وإن لا تزكي نفسك ، بلسانك .

وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي ، عن وهب بن منبه - رضي الله عنه - قال : وجدت في التوراة أربعة أسطر متوالية : من شكا مصيبته فإنما يشكو ربه ، ومن تضعضع لغني ذهب ثلثا دينه ، ومن حزن على ما في يد غيره فقد سخط قضاء ربه ، ومن قرأ كتاب الله فظن أن لا يغفر له ، فهو من المستهزئين بآيات الله .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي ، عن الحسن - رضي الله عنه - قال : من ابتلى ببلاء فكتمه ثلاثاً ، لا يشكو إلى أحد ، أتاه الله برحمته .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن حبيب بن أبي ثابت : أن يعقوب عليه السلام ، كان قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فكان يرفعهما بخرقة . فقيل له : ما بلغ بك هذا ؟ قال طول الزمان ، وكثرة الأحزان . فأوحى الله إليه «يا يعقوب ، أتشكوني ؟ قال : يا رب ، خطيئة أخطأتها ، فاغفر لي » .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن نصر بن عربي قال : بلغني أن يعقوب عليه السلام ، لما طال حزنه على يوسف ، ذهبت عيناه من الحزن . فجعل العوّاد يدخلون عليه فيقولون : السلام عليك يا نبي الله ، كيف تجدك ؟ فيقول : شيخ كبير قد ذهب بصري . فأوحى الله إليه « يا يعقوب ، شكوتني إلى عوادك ؟ قال : أي رب ، هذا ذنب عملته لا أعود إليه » فلم يزل بعد يقول { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنما أشكو بثي } . قال : همي .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ ، عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله { أشكو بثي } قال : حاجتي .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { وأعلم من الله ما لا تعلمون } يقول : أعلم أن رؤيا يوسف عليه السلام صادقة ، وإني سأسجد له .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال : سمعت نشيج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وإني لفي آخر الصفوف في صلاة الصبح ، وهو يقرأ { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } .

وأخرج عبد الرزاق والبيهقي ، عن علقمة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : صليت خلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - العشاء ، فقرأ سورة يوسف عليه السلام ، فلما أتى على ذكر يوسف عليه السلام ، نشج حتى سمعت نشيجه وأنا في مؤخر الصفوف .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة - رضي الله عنه - قال : ذكر لنا أن يعقوب عليه السلام ، لم تنزل به شدة بلاء قط إلا أتاه حسن ظنه بالله من وراء بلائه .

وأخرج ابن المنذر عن عبد الرزاق - رضي الله عنه - قال : بلغنا أن يعقوب عليه السلام قال : «يا رب ، أذهبت ولدي ، وأذهبت بصري ! . . . قال : بلى ، وعزتي وجلالي وإني لأرحمك ، ولأردنَّ عليك بصرك وولدك . وإنما ابتليتك بهذه البلية ، لأنك ذبحت جملاً فشويته ، فوجد جارك ريحه فلم تنله » .

وأخرج إسحق بن راهويه في تفسيره ، وابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة ، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كان ليعقوب عليه السلام أخ مؤاخ ، فقال له ذات يوم : يا يعقوب ، ما الذي أذهب بصرك ؟ وما الذي قوس ظهرك ؟ قال : أما الذي أذهب بصري ، فالبكاء على يوسف . وأما الذي قوس ظهري ، فالحزن على بنيامين . فأتاه جبريل عليه السلام فقال : يا يعقوب ، إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك : ما تستحي تشكوني إلى غيري ؟ فقال يعقوب عليه السلام { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } فقال جبريل عليه السلام : الله أعلم بما تشكو يا يعقوب . ثم قال يعقوب : أما ترحم الشيخ الكبير ؟ أذهبت بصري وقوست ظهري ، فاردد علي ريحانتي أشمه شمة قبل الموت ، ثم اصنع بي ما أردت . فأتاه جبريل عليه السلام فقال : يا يعقوب ، إن الله يقرئك السلام ويقول لك : أبشر وليفرح قلبك ، فوعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك . فاصنع طعاماً للمساكين ، فإن أحب عبادي إلي : الأنبياء والمساكين . وتدري لم أذهبت بصرك وقوست ظهرك ، وصنع إخوة يوسف به ما صنعوا ؟ إنكم ذبحتم شاة فأتاكم مسكين وهو صائم فلم تطعموه منها شيئاً . فكان يعقوب عليه السلام إذا أراد الغداء أمر منادياً ينادي ، ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب ، وإذا كان صائماً ، أمر منادياً ألا من كان صائماً ، من المساكين فليفطر مع يعقوب » .