غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (86)

84

{ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } قالت العلماء : إذا أسر الإنسان حزنه كان هماً ، وإذا لم يقدر على إسراره فذكر لغيره كان بثاً . فالبث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس . فمعنى الآية إني لا أذكر الحزن الشديد ولا القليل إلا مع الله ملتجئاً إليه وداعياً له فخلوني وشكايتي . وهذا مقام العارفين الصديقين كقول نبينا صلى الله عليه وسلم " أعوذ بك منك " ويحتمل أن يكون هذا معنى توليه عنهم أي تولى عنهم إلى الله والشكاية إليه .

يحكى أنه دخل على يعقوب رجل وقال له : ضعف جسمك ونحف بدنك وما بلغت سناً عالياً . فقال : الذي بي لكثرة غمومي . فأوحى الله إليه يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي ؟ فقال : يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي فغفر له . فكان بعد ذلك إذا سأل قال : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } وروي أنه أوحي إلى يعقوب إنما وجدت - أي غضبت - عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع عليه المساكين . وقيل : اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت . واعلم أن حال يعقوب في تلك الواقعة كانت مختلفة ؛ فتارة كان مستغرقاً في بحار معرفة الله ، وتارة كان يستولى عليه الحزن والأسف فلهذا كانت هذه الحادثة بالنسبة إليه كإلقاء إبراهيم في النار ، وكابتلاء إسحق بالذبح ، وكان شغل همه بيوسف بغير اختيار منه ، وكذا تأسفه عليه ، وما روي أنه عوتب على ذلك فلأن حسنات الأبرار سيئات المقربين . وبالحقيقة كانت واقعة يعقوب أمراً خارق العادة أراد الله تعالى بذلك ابتلاءه وتمادي أسفه وحزنه وإلا فمع غاية شهرته وشدة محبته وقرب المسافة بينه وبين ابنه كيف خفي حال يوسف ولم لم يبعث يوسف إليه رسولاً بعد تملكه وقدرته ، ولم زاد في حزن أبيه بحبس أخيه عنده ؟‍ ! أما قوله : { وأعلم من الله ما لا تعلمون } فمعناه أعلم من رحمته وإحسانه ما لا تعلمون ، فأرجو أن يأتيني الفرج من حيث لا أحتسب . وقيل : إنه رأى ملك الموت في المنام فقال له : يا ملك الموت هل قبضت روح ابني يوسف ؟ قال : لا يا نبي الله . ثم أشار إلى جانب مصر وقال : اطلبه ههنا . وقيل : إنه كان قد رأى أمارات الرشد والكمال في يوسف علم أن رؤياه صادقة لا تخطىء . وقال السدي : أخبره بنوه بسيرة الملك وكماله حاله في أقواله وأفعاله أنه ابنه ، أو علم أن بنيامين لا يسرق وسمع أن الملك ما آذاه فغلب على ظنه أن الملك هو يوسف . وقيل : أوحى الله تعالى إليه أنه سيلقى ابنه ولكنه ما عين الوقت فلذلك قال ما قال .

/خ102