وقوله - سبحانه - : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ بيان لمواقف هؤلاء الغافلين اللاهين ممن يذكرهم بأهوال ذلك اليوم .
والمراد بالذكر : ما ينزل من آيات القرآن على النبى - صلى الله عليه وسلم - .
والمراد بالمحدث : الحديث العهد بالنزول على النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو صفة لذكر .
أى : أن هؤلاء الغافلين المعرضين عن الاستعداد ليوم الحساب ، لا يصل إلى أسماعهم شىء من القرآن الكريم ، الذى أنزله الله - تعالى - على قلب نبيه - صلى الله عليه وسلم - آية فآية ، أو سورة بعد سورة فى أوقات متقاربة ، إلا استمعوا إلى هذا القرآن المحدث تنزيله على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهم يلعبون ، دون أن يحرك منهم عاطفة نحو الإيمان به ، فهم لانطماس بصيرتهم ، وقسوة قلوبهم ، وجحود نفوسهم للحق ، لا يتعظون ولا يعتبرون .
وقوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ . . . } يشعر بأن ما نزل من قرآن قد وصل إليهم دون أن يتعبوا أنفسهم فى الحصول عليه ، بل أتاهم وهم فى أماكنهم بدون سعى إليه .
وقوله { ذِكْرٍ } فاعل و { مِّن } مزيدة للتأكيد .
وقوله { مِّن رَّبِّهِمْ } متعلق بمحذوف صفة لذكر ، و { مِّن } لابتداء الغاية أى : ما يأتيهم من ذكر كائن من ربهم وخالقهم ورازقهم ، فى حال من الأحوال ، إلا استمعوه وهم هازلون مستهترون .
جملة مبينة لجملة { وهم في غفلة معرضون } [ الأنبياء : 1 ] لبيان تمكن الغفلة منهم وإعراضهم ، بأنهم إذا سمعوا في القرآن تذكيراً لهم بالنظر والاستدلال اشتغلوا عنه باللعب واللهو فلم يفقهوا معانيه وكان حظهم منه سماع ألفاظه كقوله تعالى : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } في سورة [ البقرة : 171 ] .
والذكر : القرآن أطلق عليه اسم الذكر الذي هو مصدر لإفادة قوة وصفه بالتذكير .
والمحدَث : الجديد . أي الجديد نزوله متكرراً ، وهو كناية عن عدم انتفاعهم بالذكر كلما جاءهم بحيث لا يزالون بحاجة إلى إعادة التذكير وإحداثه مع قطع معذرتهم لأنه لو كانوا سمعوا ذكراً واحداً فلم يعبأوا به لانتحلوا لأنفسهم عذراً كانوا ساعتئذ في غفلة ، فلما تكرر حدثان إتيانه تبين لكل منصف أنهم معرضون عنه صداً .
ونظير هذا قوله تعالى : { وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين } في سورة [ الشعراء : 5 ] ، وليس المراد بمحدث ما قابل القديم في اصطلاح علم الكلام لعدم مناسبته لسياق النظم .
ومسألة صفة كلام الله تعالى تقدم الخوض فيها عند قوله تعالى : { وكلم الله موسى تكليماً } في سورة [ النساء : 164 ] .
وجملة { استمعوه } حال من ضمير النصب في { يأتيهم } وهذا الحال مستثنى من عموم أحوال أي ما يأتيهم ذكر في حال إلا في حال استماعهم .
وجملة { وهم يلعبون } حال لازمة من ضمير الرفع في { استمعوه } مقيّدة لجملة { استمعوه } لأن جملة { استمعوه } حال باعتبار أنها مقيّدة بحال أخرى هي المقصودة من التقييد وإلاّ لصار الكلام ثناء عليهم . وفائدة هذا الترتيب بين الجملتين الحاليتين الزيادةُ لِقطع معذرتهم المستفاد من قوله { مُحْدَث } كما علمت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.