قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } ذكر الله -تعالى- ذلك بياناً لكونهم معرضين ، وذلك لأنَّ الله{[27706]} -يجدد لهم الذكر كل وقت ، ويظهر لهم الآية بعد الآية ، والسورة بعد السورة ليكرر على أسماعهم{[27707]} الموعظة لعلهم يتعظون ، فما يزيدهم ذلك إلا استسخاراً{[27708]} .
قوله : «مُحْدِثٍ » العامة على جر «مُحْدِثٍ » نعتاً ل «ذِكْرٍ » على اللفظ{[27709]} .
وقوله : «مِنْ رَبِّهِمْ » فيه أوجه :
أجودها : انْ يتعلق ب «يَأتِيهِمْ » ، وتكون «مِنْ » لابتداء الغاية مجازاً{[27710]} .
والثاني : أنْ يتعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستتر في «مُحْدِثٍ »{[27711]} .
الثالث : أنْ يكونَ حالاً من نفس «ذِكْرٍ » ، وإنْ كان نكرة ، لأنه قد تخصّص بالوصف ب «مُحْدَثٍ » ، وهو نظير : ما جاءني رجلٌ قائماً منطلقٌ ، ففصل بالحال بين الصفة والموصوف . وأيضاً فإنّ الكلام نفي وهو مسوغ لمجيء الحال من النكرة{[27712]} .
الرابع : أن يكون نعتاً ل «ذِكْرٍ »{[27713]} فيجوز في محله وجهان : الجر باعتبار اللفظ والرفع باعتبار المحل ، لأنه مرفوع المحل{[27714]} إذ «مَن »{[27715]} مزيده فيه ، وسيأتي . وفي جعله نعتاً ل «ذِكْرٍ » إشكال من حيث إنه تقدم غير الصريح{[27716]} ، على الصريح{[27717]} وتقدم تحريره في المائدة{[27718]} .
الخامس : أن يتعلق بمحذوف على سبيل البيان . وقرأ ابن عبلة «محدثٌ » رفعاً نعتاً{[27719]} ل «ذِكرٍ » على المحل{[27720]} ، لأن «مِنْ » مزيدة فيه لاستكمال الشرطين{[27721]} .
وقال أبو البقاء : ولو رفع على موضع «من ذكر » جاز{[27722]} . كأنه لم يطلع عليه قراءة {[27723]}وزيد بن عليّ «مُحْدَثاً » نصباً على الحال من «ذِكْرٍ »{[27724]} ، وسوغ ذلك وصفه ب «مِنْ رَبِّهِمْ » إن جعلناه صفة{[27725]} أو{[27726]} واعتماده على النفي{[27727]} .
ويجوز أن يكون من الضمير المستتر في " من ربهم " إن جعلناه صفة{[27728]} .
قوله : «إلاَّ اسْتَمَعُوهُ » هذه الجملة حال من مفعول «يأتيهم » وهو استثناء مفرغ ، و «قد » معه مضمرة{[27729]} عند قوم{[27730]} .
«وهم يلعبون » حال من فاعل «اسْتَمَعُوهُ »{[27731]} أي استمعوه لاعبين .
فصل{[27732]}
قال مقاتل : معنى «مُحْدَثٍ » يحدث الله الأمر بعد الأمر . وقيل : الذكر المحدث ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن ، وأضافه إلى الرب ، لأنه أمره بقوله إِلاَّ «اسْتَمَعُوهُ » لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون .
استدلت المعتزلة{[27733]} بهذه الآية على حدوث القرآن ، فقالوا : القرآن ذكر ، والذكر محدث ، فالقرآن محدث ، وبيان أن القرآن{[27734]} ذكر قوله تعالى في صفة القرآن : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }{[27735]} { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }{[27736]} { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر }{[27737]} { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }{[27738]} و { وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ }{[27739]} . وبيان أن{[27740]} الذكر محدث قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } وقوله : { مَا يَأْتِيهِم مِّن{[27741]} ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ }{[27742]} فالجواب{[27743]} من وجهين :
الأول : أن قوله تعالى : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } وقوله { وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } إشارة إلى المركب{[27744]} من الحروف والأصوات ، وذلك مما{[27745]} لا نزاع فيه بل حدوثه معلوم بالضرورة ، وإنما النزاع في قدر كلام الله تعالى بمعنى آخر .
الثاني : أن قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } لا يدل على حدوث كل ما كان ذكراً ، كما أن قول القائل : لاَ يَدْخل هذه البلدة رجلٌ فاضلٌ إلا يبغضونه{[27746]} فإنه لا يدل على{[27747]} أن كل رجل يجب أن يكون فاضلاً بل على أن من الرجال من هو فاضل ، وإذا كان كذلك فالآية لا تدل إلا على أن بعض الذكر محدث ، فيصير نظم الكلام : القرآن ذكر ، وبعض الذكر محدث ، وهذا لا ينتج شيئاً ، فظهر أن الذي ظنوه قاطعاً لا يفيد ظناً ضعيفاً فضلاً عن القطع{[27748]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.