جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ} (2)

{ ما{[3234]} يأتيهم من ذكر } المراد من الذكر الطائفة النازلة من القرآن ، { من ربهم } ، صفة لذكر أو صلة يأتيهم ، { محدث } : تنزيله : جديد إنزاله ، { إلا استمعوه وهم يلعبون } حال من فاعل استمعوه ، أي : ليستهزءون به ،


[3234]:من ذكر من ربهم محدث، قال البخاري في صحيحه في كتاب الرد على الجهمية، باب قول الله: كل يوم هو في شأن، {وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث}، وقول الله: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}، وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين، لقوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما يشاءه، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) انتهى. وأيضا قال: فيه باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرهما من الخلائق وهو فعل الرب وأمره فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكون غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون انتهى. وقال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم قدس الله روحه في بعض فتاواه: وسائر أهل السنة والحديث متفقون على أنه يتكلم بمشيئته، وأنه لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء، وقد سمى الله القرآن الحديث ومحدثا، وقال: {الله نزل أحسن الحديث} [الزمر: 23]، وقال: {ومن أصدق من الله حديثا} [النساء: 87]، وقال: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما شاء، وهذا مما احتج به البخاري في صحيحه وغير صحيحه واحتج به غير البخاري، كنعيم بن حماد، وحماد بن زيد، ومن المشهور عن السلف، القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود انتهى. وأيضا قال رحمه الله: قال الإمام أحمد رحمه الله وغيره: لم يزل الله متكلما إذا شاء، وهو يتلكم بمشيئته وقدرته، ويتكلم بشيء بعد شيء، كما قال تعالى: {فلما أتاها نودي يا موسى} "فناداه حين أتاها ولم يناده قبل ذلك، وقال تعالى: {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلك الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف: 22] فهو سبحانه ناداهما حين أكلا منها، ولم ينادهما قبل ذلك. وكذلك قال تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} [الأعراف: 11]، فأمرهم بالسجود بعد أن خلق آدم وصوره، ولم يأمرهم قبل ذلك، وكذلك قوله: {إن مثل عيسى عند الله كثمل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران: 59]، فأخبر أنه قال له كن فيكون بعد أن خلقه من تراب، ومثل هذا الخبر في القرآن كثير، يخبر أنه تكلم في وقت معين ونادى في وقت معين، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما خرج إلى الصفا، قرأ قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158]، قال: (نبدأ بما بدأ به) فأخبر أن الله بدأ بالصفا قبل المروة، والسلف اتفقوا على أن القرآن كلام الله، نزل غير مخلوق، ومنه بدأ وإليه يعود، انتهى كلامه رضي الله عنه. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في خطبته النونية: وأما القرآن فإني أقول إنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به صدقا، وسمعه منه جبريل حقا، وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم- وحيا، وأن {كهيعص}، و {حم} و {حم عسق} و {الر} و{ق}، و{ن} عين كلام الله حقيقة وإن الله تكلم بالقرآن العربي الذي سمعه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن جميعه كلام الله، وليس قول البشر، ومن قال: إنه قول البشر فقد كفر و الله يصليه سقر، ومن قال: ليس لله بيننا في الأرض من كلام، فقد جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله بعثه يبلغ عنه كلامه، والرسول إنما يبلغ كلام مرسله، فإذا انتفى كلام المرسل انتفت رسالة الرسول. انتهى /12.