غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ} (2)

1

والذكر الطائفة النازلة من القرآن ، وقرئ { محدث } بالرفع صفة على المحل ، واحتجت المعتزلة بالآية على أن القرآن محدث ، وأجاب الأشاعرة بأنه لا نزاع في حدوث المركب من الأصوات والحروف لأنه متجدد في النزول ، وإنما النزاع في الكلام النفسي الذي لا يصح عليه الإتيان والنزول . وزعم الإمام فخر الدين الرازي رضي الله عنه أن حاصل قول المعتزلة في هذا المقام يؤل إلى قولنا القرآن ذكر ، وبعض الذكر محدث لأن قوله { من ذكر من ربهم محدث } لا يدل على حدوث كل ما كان ذكراً بل على أن ذكراً ما محدث ، كما أن قول القائل : لا يدخل هذا البلد رجل فاضل إلا يبغضونه ، لا يدل على أن كل رجل يجب أن يكون فاضلاً ، وإذا كان كذلك فيصير صورة القياس كقولنا " الإنسان حيوان وبعض الحيوان فرس " وإنه لا ينتج شيئاً لأن كلية الكبرى شرط في إنتاج الشكل الأول كما عرف في علم الميزان . قلت : إن المعتزلة لا يحتاجون في إثبات دعواهم إلى تركيب مثل هذا القياس لأن مدعاهم يثبت بتسنيم إحدى مقدمتي القياس الذي ركبه وهي قوله " بعض الذكر محدث " لأنه نقيض ما يدعيه الأشاعرة وهو لا شيء من القرآن بمحدث . وإذا صدق أحد النقيضين كذب بالضرورة ، فظهر أن الإمام غلطهم في هذا القياس الذي ركبه ، ثم لقائل أن يقول تتميماً لقول المعتزلة : إذا ثبت أن بعض القرآن محدث لزم أن يكون كله محدثا لأن القائل قائلان : أحدهما ذهب إلى قدم كله ، والثاني إلى حدوث كله ، ولم يذهب أحد إلى قدم بعضه وحدوث بعضه . قال أهل البرهان : إنما قال في هذه السورة { من ربهم محدث } لموافقة قوله بعد هذا { قل ربي يعلم } وقال في الشعراء

{ من ذكر من الرحمن محدث } [ الآية : 5 ] لكثرة الرحيم فيها . فكان " الرحمن بالرحيم " أنسب .

قوله تعالى { يلعبون } اللعب الاشتغال بما لا يعني .

/خ20