التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

ثم جاءت بعد ذلك العقوبة لقارون ، بعد أن تجاوز الحدود فى البغى والفخر والإفساد فى الأرض . وقد حكى سبحانه - هذه العقوبة فى قوله : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض } .

وقوله - تعالى - { فَخَسَفْنَا } من الخسف وهو النزول فى الأرض ، يقال : خسف المكان خسفا - من باب ضرب - إذا غار فى الأرض . ويقال : خسف القمر ، إذا ذهب ضؤوه ، وخسف الله بفلان الأرض ، إذا غيبه فيها .

قال ابن كثير لما ذكر الله - تعالى - اختيال قارون فى زينته ، وفخره على قومه وبغيه عليهم ، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض ، كما ثبت فى الصحيح - عند البخارى من حديث الزهرى عن سالم - أن أباه حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به ، فهو يتجلجل فى الأرض إلى يوم القيامة " .

أى : تمادى قارون فى بغيه ، ولم يستمع لنصح الناصحين ، فغيبناه فى الأرض هو وداره ، وأذهبناهما فيها ذهابا تاما .

{ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله } أى : فما كان لقارون من جماعة أو عصبة تنصره من عذاب الله ، بأن تدفعه عنه ، أو ترحمه منه .

{ وَمَا كَانَ } قارون { مِنَ المنتصرين } بل كان من الأذلين الذين تلقوا عقوبة الله - تعالى - باستسلام وخضوع وخنوع ، دون أن يستطيع هو أو قومه رد عقوبة الله - تعالى - .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

دلت الفاء على تعقيب ساعة خروج قارون في ازدهائه وما جرى فيها من تمني قوم أن يكونوا مثله ، وما أنكر عليهم علماؤهم من غفلتهم عن التنافس في ثواب الآخرة بتعجيل عقابه في الدنيا بمرأى من الذين تمنوا أن يكونوا مثله .

والخسف : انقلاب بعض ظاهر الأرض إلى باطنها ، وعكسه . يقال : خسفت الأرض وخسف الله الأرض فانخسفت ، فهو يستعمل قاصراً ومتعدياً ، وإنما يكون الخسف بقوة الزلزال . وأما قولهم : خسفت الشمس فذلك على التشبيه . والباء في قوله { فخسفنا به } باء المصاحبة ، أي خسفنا الأرض مصاحبة له ولداره ، فهو وداره مخسوفان مع الأرض التي هو فيها ، وتقدم قوله تعالى { أن يخسف الله بهم الأرض } في سورة النحل( 45 ) .

وهذا الخسف خارق للعادة لأنه لم يتناول غير قارون ومن ظاهره ، وهما رجلان من سبط ( روبين ) وغير دار قارون ، فهو معجزة لموسى عليه السلام .

جاء في الإصحاح السادس عشر من سفر العدد أن قورح ( وهو قارون ) ومن معه لما آذوا موسى كما تقدم ، وذكرهم موسى بأن الله أعطاهم مزية خدمة خيمته ولكنه أعطى الكهانة بني هارون ولم تجد فيهم الموعظة غضب موسى عليهم ودعا عليهم ثم أمر الناس بأن يبتعدوا من حوالي دار قورح ( قارون ) وخيام جماعته . وقال موسى : إن مات هؤلاء كموت عامة الناس فاعلموا أن الله لم يرسلني إليكم وان ابتدع الله بدعة ففتحت الأرض فاها وابتلعتهم وكل مالهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية تعلمون أن هؤلاء قد ازدروا بالرب . فلما فرغ موسى من كلامه انشقت الأرض التي هم عليها وابتلعتهم وبيوتهم وكل ما كان لقورح مع كل أمواله وخرجت نار من الأرض أهلكت المائتين والخمسين رجلاً . وقد كان قارون معتزاً على موسى بالطائفة التي كانت شايعته على موسى وهم كثير من رؤساء جماعة اللاويين وغيرهم ، فلذلك قال الله تعالى { فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله } ، إذ كان قد أعدهم للنصر على موسى رسول الله فخسف بهم معه وهو يراهم ، { وما كان من المنتصرين } كما كان يحسب . يقال : انتصر فلان ، إذا حصل له النصر ، أي فما نصره أنصاره ولا حصل له النصر بنفسه .