التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا نَّخِرَةٗ} (11)

وقوله - سبحانه - : { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة . أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } حكاية لما كان يقوله هؤلاء الكافرون فى الدنيا ، من إنكار للبعث ، ومن استهزاء لمن كان يذكرهم به ، ومن استبعاد شديد لحصوله . .

والمراد بالحافرة : العودة إلى الحياة مرة أخرى بعد موتهم وتحولهم إلى عظام بالية .

قال صاحب الكشاف : { فِي الحافرة } أى : فى الحالة الأولى يعنون : الحياة بعد الموت .

فإن قلت : ما حقيقة هذه الكلمة ؟ قلت : يقال : رجع فلان فى حافرته ، أى : فى طريقه التى جاء فيها فحفرها . أى : أثر فيها بمشيه فيها : جعل أثر قدميه حفرا . . ثم قيل لمن كان فى أمر فخرج منه ثم عاد إليه ، رجع إلى حافرته ، أى : طريقته وحالته الأولى .

وقوله : { نَّخِرَةً } صفة مشتقة من قولهم : نَخِر العظم - بفتح النون وكسر الخاء - إذا بَلِى وصار سهل التفتيت والكسر . وقرأ حمزة والكسائى " ناخرة " بمعنى بالية فارغة جوفاء ، يسمع منها عند هبوب الريح نخير ، أى : صوت .

أى : أن هؤلاء المشركين كانوا يقولون فى الدنيا - على سبيل التعجيب والاستهزاء والإِنكار لأمر البعث والحساب : أنرد إلى الحياة مرة أخرى بعد موتنا وبعد أن نصير فى قبورنا عظاما بالية . وعبر - سبحانه - عن قولهم هذا بالمضارع " يقولون " لاستحضار حالتهم الغريبة ، حيث أنكروا ما قام الدليل على عدم إنكاره ، وللإِشعار بأن هذا الإِنكار كان متجددا ومستمرا منهم .

وقد ساق - سبحانه - أقوالهم هذه بأسلوب الاستفهام ، للإِيذان بأنهم كانوا يقولون ما يقولون فى شأن البعث على سبيل التهكم والتعجب ممن يحدثهم عنه ، كما هو شأن المستفهم عن شئ الذى لا يقصد معرفة الحقيقة ، وإنما يقصد التعجيب والإِنكار .

وجملة { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } مؤكدة للجملة السابقة عليها ، التى يستبعدون فيها أمر البعث بأقوى أسلوب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا نَّخِرَةٗ} (11)

وظرف ( إذا ) في قوله : { إذا كنّا عظاماً نخرة } هو مناط التعجب وادعاءٌ الاستحالة ، أي إذا صرنا عظاماً بالية فكيف نرجع أحياء .

و { إذا } متعلق ب { مردودون } .

و { نخرة } صفة مشتقة من قولهم : نَخِر العَظْم ، إذا بَلِي فصار فارغ الوسط كالقصبة . وتأنيث { نخرة } لأن موصوفه جمع تكسير ، فوصفه يجري على التأنيث في الاستعمال .

هي همزة ( إذا ) . وقرأ بقية العشرة { أإذا بهمزتين إحداهما مفتوحة همزة الاستفهام والثانية مكسورة هي همزة ( إذا ) .

وهذا الاستفهام إنكاري مؤكد للاستفهام الأول للدلالة على أن هذه الحالة جديرة بزيادة إنكار الإِرجاع إلى الحياة بعد الموت ، فهما إنكاران لإِظهار شدة إحالته .

وقرأ الجمهور { نخرة } بدون ألف بعد النون . وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب وخلف { ناخرة بالألف .