التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} (115)

والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً . . . } للإنكار والنفى ، والحسبنان هنا : بمعنى الظن . والفاء معطوفة على محذوف مقدر . والعبث : اللعب وما لا فائدة فيه من قول أو فعل .

أى أغرتكم الدنيا ، وغفلتم عن مصيركم ، فحسبتم أنما خلقناكم عبثا لا لحكمة تقتضيها إرادتنا من خلقكم ، وحسبتم كذلك { أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } يوم القيامة للحساب والجزاء .

إن جزاء هذا الحسبان الباطل ، هو هذا المصير المهين الذى تصطلون بناره اليوم

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} (115)

و { عبثاً } معناه باطلاً لغير غاية مرادة ، وقرأ الجمهور «تُرجعون » بضم التاء وفتح الجيم ، وقرأ حمزة والكسائي «تَرجِعون » بفتح التاء وكسر الجيم والمعنى فيهما بين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} (115)

هذا من تمام القول المحكي في { قال كم لبثتم في الأرض } [ المؤمنون : 112 ] مفرع على ما قبله . فرع الاستفهام عن حسبانهم أن الخلق لأجل العبث على إظهار بطلان ما زعموه من إنكار البعث . والاستفهام تقرير وتوبيخ لأن لازم إنكارهم البعث أن يكون خلق الناس مشتملاً على عبث فنزلوا منزلة من حسب ذلك فقُرروا ووبخوا أخذا لهم بلازم اعتقادهم .

وأدخلت أداة الحصر بعد ( حسب ) فجعلت الفعل غير ناصب إلا مفعولاً واحداً وهو المصدر المستخلص من { أنما خلقناكم } والتقدير : أفحسبتم خلقنا إياكم لأجل العبث ، وذلك أن أفعال الظن والعلم نصبت مفعولين غالباً لأن أصل مفعوليها مبتدأ وخبر ، أي اسم ذات واسم صفة فاحتياجها إلى المفعول الثاني من باب احتياج المبتدأ إلى الخبر لئلا تنعدم الفائدة في المبتدأ مجرداً عن خبره ، وبذلك فارقت بقية الأفعال المتعدية باحتياجها إلى منصوبين لأن معناها لا يتعلق بالذوات ؛ فقولك : ظننت زيداً قائماً ، إنما هو في الحقيقة : ظننت قيام زيد ، فمفعولها هو المصدر وحقه أن يكون خبراً مضافاً إلى ضمير مبتدئه كما قال الرضي : يعني أن العرب استعملوها بمفعولين كراهية لجعل المصدر مفعولاً به كأنهم تجنبوا اللبس بين المفعول به والمفعول المطلق ، وهذا كما استعملوا أفعال الكون مسندة إلى اسم الذوات ثم أتوا بعد اسم الذات باسم وصفها ولم يأتوا باسم الوصف من أول وهلة ولذلك إذا أوقعوا بعدها حرف المصدر اكتفوا به عن المفعولين ، ولم يسمع عنهم أنهم نصبوا بها مصدراً صريحاً . فإذا وقع مفعول أفعال الظن اسم معنى وهو المصدر الصريح أو المنسبك وحذف الفائدة فاجتزأت بالمصدر كقوله تعالى : { إني ظننت أني ملاقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 20 ] .

وحيث كانت ( أنما ) مركبة من ( أن ) المفتوحة الهمزة ومن ( ما ) الكافة فوقوعها بعد فعل الحساب بمنزلة وقوع المصدر ، ولولا ( أن ) لكان الكلام : أحسبتمونا خالقينكم عبثاً .

وانتصب { عَبَثاً } على الحال من ضمير الجلالة مؤولاً باسم الفاعل . والعبث : العمل الذي لا فائدة فيه . وكلما تضاءلت الفائدة كان لها حكم العدم فلو لم يكن خلق البشر في هذه الحياة مرتباً عليه مجازاة الفاعلين على أفعالهم لكان خالقه قد أتى في فعله بشيء عديم الفائدة فكان فيه حظ من العبث .

وبيان كونه عبثاً أنه لو خُلق الخلق فأحسنَ المحسن وأساء المسيء ولم يلق كل جزاءه لكان ذلك إضاعة لحق المحسن وإغضاء عما حصل من فساد المسيء فكان ذلك تسليطاً للعبث . وليس معنى الحال أن يكون عاملها غير مفارق لمدلولها بل يكفي حصول معناها في بعض أكوان عاملها .

وأما قوله : { وأنكم إلينا لا ترجعون } فهم قد حسبوا ذلك حقيقة بلا تنزيل وهذا من تمام الإنكار .

وقرأ الجمهور : { تُرجعون } بضم التاء وفتح الجيم ، أي أن الله يرجعهم قهراً . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بفتح التاء وكسر الجيم ، أي يرجعون طوعاً أو كرهاً .