تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} (115)

الآية 115 : وقوله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } صير خلقه الخلق لا للرجوع والبعث عبثا لوجهين :

أحدهما : لأن خلقه إياهم لا لعاقبة تتأمل أو لمنافع تقصد ، للهلاك خاصة وللفناء عبث كبناء الباني لا لمنفعة تقصد به ، ولكن للنقض يكون عبثا في الشاهد ، وهو ما قال في آية أخرى : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا }( النحل : 92 ) سفهها في غزلها للنقض خاصة لا لمنفعة قصدت به ، ونهانا أن نفعل مثل فعلها ( فلو لم ){[13588]} يكن المقصود من خلق الخلق إلا الموت والفناء خاصة لا لعاقبة تقصد كان سفها وعبثا .

والثاني : ما أخبر أنه إنما أنشأ هذا العالم غير البشر لهذا البشر ، وله سخر ذلك كله حين{[13589]} قال : { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه } ( الجاثية : 13 ) إذ ليس لغير البشر منفعة بهذه النعم التي أنشأها لهم من نحو الجن والملائكة ونحوهم ، إذ لهم قوام بدون ذلك من الشمس والقمر ونحوه من النعم إنما ذلك للبشر خاصة .

فإذا كان كذلك لا يحتمل أن يجعل لهم كل هذه النعم التي ذكرها ، وأنشأها لهم ، ثم لا يمتحنهم بالشكر على ذلك ، ولا يأمرهم بأوامر ، ولا ينهاهم بمناه . فدل ما أنشأ لهم من النعم ، وسخر لهم من الأشياء أنهم يبعثون ، ويرجعون إليه حتى يجزوا جميعا ، للمحسنين ( جزاء الإحسان وللمسيء ){[13590]} جزاء الإساءة ؛ إذ في العقول التفرقة بين الولي والعدو وبين المحسن والمسيء وبين الشاكر والكافر . ثم رأيناهم جميعا في هذه الدنيا عاشوا على سواء في الضيق والسعة ، لم نر ما يفصل بين الولي والعدو وبين المحسن والمسيء وبين الشاكر والكافر . فدل ما لم نر من التفرقة ما ذكرنا في هذه الدنيا على أن هنالك دارا أخرى : دار الجزاء .

هناك يفصل بين ما ذكرنا في الجزاء ، والله الموفق .

( وقوله تعالى ){[13591]} : { لا ترجعون } قيل : لا تبعثون ، وقيل : لا ترجعون إليه بالأعمال التي عملتموها كقوله : { يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه } ( الانشقاق : 60 ) وقوله : { فاستقيموا إليه واستغفروه } ( فصلت : 6 ) .


[13588]:من م، في الأصل: فلم.
[13589]:في الأصل وم: حيث.
[13590]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[13591]:ساقطة من الأصل وم.