اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} (115)

قوله تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } الآية في نصب ( عَبَثاً ) وجهان :

أحدهما : أنّه مصدر واقع موقع الحال أي : عابثين .

والثاني : أنه مفعول من أجله أي : لأجل العبث{[33540]} . والعَبَث : اللعب ، وما لا فائدة فيه ، أي : لتعبثوا{[33541]} وتلعبوا ، كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب ، وكل ما ليس له غرض صحيح . يقال : عَبَثَ يَعْبِثُ عَبثاً إذا خلط عليه بلعب ، وأصله من قولهم عبثت{[33542]} الأَقِط{[33543]} ، أي : خلطته{[33544]} ، والعَبِيث : طعام مخلوط بشيء ، ومنه العَوْبَثَانِي لتمر وسُوَيْق وسمن مختلط . قوله : «وَأَنَّكُمْ » يجوز أن يكون معطوفاً على ( أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ ) لكون الحسبان منسحباً عليه{[33545]} وأن يكون معطوفاً على ( عَبَثاً ) إذا كان مفعولاً من أجله .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معطوفاً على ( عَبَثاً ) أي : للعبث ولترككم غير مرجوعين{[33546]} وقُدّم «إِلَيْنَا » على ( تُرْجَعُونَ ) لأجل الفواصل .

قوله : «لاَ تُرْجَعُونَ » هو خبر «أَنَّكُمْ »{[33547]} ، وقرأ الأخوان{[33548]} «تَرْجِعُونَ » مبنياً للفاعل ، والباقون مبنياً للمفعول{[33549]} . وقد تقدّم أن ( رجع ) يكون لازماً ومتعدياً{[33550]} . وقيل : لا يكون إلا متعدّياً ، والمفعول محذوف .

فصل

لما شرح صفات القيامة استدل على وجودها بأنّه لولا القيامة لما تميّز المُطيع عن العاصي ، والصديق عن الزنديق ، وحينئذ يكون هذا العالم عَبَثاً{[33551]} ، وهو كقوله : { أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى }{[33552]} [ القيامة : 36 ] . والمعنى : أَنَّما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عزَّ وجلَّ {[33553]} .

رُوي أن رجلاً مُصاباً مُرَّ به على ابن مسعود فَرَقَاهُ{[33554]} في أذنيه { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } حتى ختمها ، فَبَرأ ، ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بماذا رقيته في أذنه فأخبره ){[33555]} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً موقناً قرأها على جبل لَزَال »{[33556]} .


[33540]:في ب: لعبثوا. وهو تحريف.
[33541]:في ب: عبث.
[33542]:الأقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل. اللسان (أقط)
[33543]:في ب: خلطه.
[33544]:اللسان (عبث).
[33545]:انظر الكشاف 3/58، البحر المحيط 6/424.
[33546]:الكشاف 3/58.
[33547]:في ب: لكم. وهو تحريف.
[33548]:حمزة والكسائي.
[33549]:السبعة (449 – 450) الحجة لابن خالويه (259) الكشف 2/138، النشر 2/208 – 209، الإتحاف 321.
[33550]:عند قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} [البقرة: 281] انظر اللباب 2/142.
[33551]:انظر الفخر الرازي 23/129.
[33552]:[القيامة: 36].
[33553]:في ب: تعالى.
[33554]:في ب: فرواه. وهو تحريف.
[33555]:ما بين القوسين سقط من ب.
[33556]:أخرجه الترمذي وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن مسعود. الدر المنثور 5/17.