الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} (115)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله، عز وجل: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} يعني: لعبا وباطلا لغير شيء، أن لا تعذبوا إذا كفرتم {و} حسبتم {وأنكم إلينا لا ترجعون} في الآخرة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

أفحسبتم أيها الأشقياء أنا إنما خلقناكم إذ خلقناكم لعبا وباطلاً، وأنكم إلى ربكم بعد مماتكم لا تصيرون أحياء، فتجزون بما كنتم في الدنيا تعملون؟.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم قال لهم "أفحسبتم "معاشر الجاحدين للبعث والنشور "أنما خلقناكم عبثا" لا لغرض!؟! أي ظننتم، والحسبان والظن واحد... وحسبتم "أنكم إلينا لا ترجعون" أي إلى الحال التي لا يملك نفعكم وضركم فيها إلا الله، كما كنتم في ابتداء خلقكم قبل أن يملك أحدا شيئا من أمركم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

العبثُ: اللهو واللَّعِبُ والاشتغالُ بما يُلْهِي عن الحقِّ، والله لم يأمر العبادَ بذلك، ولم يَدْعُهُم إلى ذلك، ولم يندبهم إليه. والعابثُ في فِعْلِهِ مَنْ فِعْلُه على غير حدِّ الاستقامة، ويكون هازلاً مُسْتَجْلِباً بفعله أحكامَ اللهوِ إلى نَفْسه، متمادياً في سهوه، مستلِذَّ التفرقةِ في قصده، وكلُّ هذا من صفات ذوي البشرية، والحقُّ -سبحانه مُنَزّهُ النّعَت عن هذه الجملة، فلا هو بفعل شيءٍ عابث، ولا بشيء منَ العَبَثَ آمِرٌ.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

إنه سبحانه لما شرح صفات القيامة، ختم الكلام فيها بإقامة الدلالة على وجودها وهي أنه لولا القيامة لما تميز المطيع من العاصي والصديق من الزنديق، وحينئذ يكون خلق هذا العالم عبثا، وأما الرجوع إلى الله تعالى فالمراد إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه لا أنه رجوع من مكان إلى مكان لاستحالة ذلك على الله تعالى.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان حالهم في ظنهم أن لا بعث، حتى اشتغلوا بالفرح، والبطر و المرح، والاستهزاء بأهل الله، حال من يظن العبث على الله الملك الحق المبين، سبب عن ذلك عطفاً على قوله {فاتخذتموهم سخرياً} إنكاره عليهم في قوله: {أفحسبتم} ويجوز أن يكون معطوفاً على مقدر نحو: أحسبتم أنا نهملكم فلا ننصف مظلومكم من ظالمكم، فحسبتم {أنما خلقناكم} أي على ما لنا من العظمة {عبثاً} أي عابثين أو للعبث منا أو منكم، لا لحكمة إظهار العدل والفضل، حتى اشغلتم بظلم أنفسكم وغيركم؛ قال أبو حيان: والعبث: اللعب الخالي عن فائدة. {وأنكم} أي وحسبتم أنكم {إلينا} أي خاصة {لا ترجعون} بوجه من الوجوه لإظهار القدرة والعظمة في الفصل...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

و في هذا إشارة إلى أن الحكمة تقتضي تكليفهم و بعثهم لمجازاتهم على ما قدموا من عمل، و أسلفوا من سعي في الحياة الدنيا.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أي: سدى وباطلا، تأكلون وتشربون وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ونترككم لا نأمركم، و [لا] ننهاكم ولا نثيبكم، ولا نعاقبكم؟

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فحكمة البعث من حكمة الخلق. محسوب حسابها، ومقدر وقوعها، ومدبر غايتها. وما البعث إلا حلقة في سلسلة النشأة، تبلغ بها كمالها، ويتم فيها تمامها، ولا يغفل عن ذلك إلا المحجوبون المطموسون، الذين لا يتدبرون حكمة الله الكبرى؛ وهي متجلية في صفحات الكون، مبثوثة في أطواء الوجود.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والاستفهام تقرير وتوبيخ لأن لازم إنكارهم البعث أن يكون خلق الناس مشتملاً على عبث فنزلوا منزلة من حسب ذلك فقُرروا ووبخوا أخذا لهم بلازم اعتقادهم.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

في ختام سورة الإيمان التي ذكر فيها المؤمنون المفلحون خصص كتاب الله الآيات الختامية الأربع لما ينبغي أن يستخلصه كل إنسان من هذه السورة الكريمة، فبعد ما عرض كتاب الله في الربع الأول والربع الثاني والربع الثالث مزايا المؤمنين الصادقين ومميزاتهم، وما يكون عليه مصيرهم من الفوز المبين، مقارنا كل ذلك بمساوئ المكذبين الذين لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، وبما يؤول إليه أمرهم من الخسران المبين، أعاد الكرة مرة أخرى ليذكر الجميع بحقيقة ثابتة لا مناص من الاعتراف بها والالتزام بنتائجها، ألا وهي: أن الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثا، وإنما خلقه لإبراز حكمة إلهية من وراء إيجاده وإمداده، وإنجاز مهمة سامية في مستوى إدراكه واستعداده، ألا وهي جعله خليفة في الأرض يقوم بعمارتها واستثمار خيراتها، طبقا لمنهج إلهي حكيم، يكون مسؤولا عن تطبيقه كاملا، كي لا يقع في خلافته خلل ولا اضطراب، ويؤدي عنه لربه أدق الحساب، لينال ما هو أهل له من الثواب أو العقاب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا موجها الخطاب إلى كافة البشر، من حضر منهم ومن غبر: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} على غرار قوله تعالى في سورة القيامة: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [الآية: 36] أي غير مسؤول عن عمله كالحيوانات العجماء، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في سورة الدخان: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق، ولكن أكثرهم لا يعلمون} [الآيتان: 38، 39]، وقوله تعالى في سورة الأنبياء: {لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين} [الآية: 17]. فلا عبث ولا لعب ولا لهو ولا إعفاء من المسؤولية، لا في العالم العلوي ولا في العالم السفلي، وإبطالا لما يمكن توهمه عند سخفاء العقول، من أن خلق الإنسان داخل في نطاق العبث، ولا حكمه فيه، ولا مسؤولية من ورائه.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

واستعملت الآية أسلوبا مؤثّراً آخر لإيقاظ هذه الفئة وتعليمها "أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون "هذه العبارة الموجزة والعميقة تبيّن واحداً من أقوى الأدلّة على البعث وحساب الأعمال والجزاء، وتعني أنّ الحياة الدنيا تصبح عبثاً إن لم تكن القيامة والمعاد. فالدنيا بما فيها من مشاكل وما وضع فيها الله من مناهج ومسؤوليات وبرامج، تكون عبثاً وبلا معنى إن كانت لأيّام معدودات فقط.