التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} (115)

{ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين ( 112 ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسأل العادين ( 113 ) قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ( 114 ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( 115 ) فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم( 116 ) } [ 112-116 ] .

في الآيات استمرار في حكاية المحاورة المفروضة : فلسوف يسأل الله الكفار عن مقدار ما لبثوا في الدنيا ، فيجيبون أن ما لبثوه لم يكد يتجاوز يوما أو بعض يوم فيما يخيل إليهم ، وأن الأولى أن يسأل عن ذلك الموكلين بالعد والإحصاء ، ولسوف يرد عليهم بأنهم لو عقلوا لعرفوا أنهم لم يلبثوا إلا أمدا قصيرا حقا ، ولسوف يسألهم حينئذ عما كانوا يظنونه من ظن خاطئ بأنهم غير راجعين إليه ولا واقفين بين يديه ، وبأن الله كان عابثا لا يستهدف غاية ولا حكمة من خلقهم في حين أن الله عز وجل تنزه عن العبث وتعالى فهو الملك الحق الذي لا يقرر إلا الحق ولا يفعل إلا الحق ولا يتوخى بفعله وقراراته إلا الحق وهو رب العرش الكريم المتصرف المطلق في الكون .

والآيات استمرار في السياق والموضوع كما هو المتبادر . والمتبادر أن هذا القسم من المحاورة استهدف بيان تفاهة المدة التي يقتضيها الكفار في الدنيا مغترين بقوتهم ، وقد تضمنت تقريعا لاذعا على حسبانهم أن لا حياة وراء حياتهم الدنيوية ، وأن لا حكمة وغاية وراء وجود الكون ، واستهدفت ما استهدفته سابقاتها من إثارة خوفهم وارعوائهم فضلا عن توكيدها حقيقة الآخرة الإيمانية واتساقها مع الحكمة والعدل والحق .

ولقد أورد ابن كثير في سياق تفسير هذه الآيات حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أيفع بن عبد الكلاعي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال : يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قال : لنعم ما أنجزتم في يوم أو بعض يوم . رحمتي ورضواني وجنتي أمكثوا فيها خالدين مخلدين ، ثم قال : يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فيقول : بئس ما أنجزتم في يوم او بعض يوم ، ناري وسخطي امكثوا فيهما خالدين مخلدين ) .

وينطوي في الحديث تبشير وإنذار نبويان متساوقان مع الهدف القرآني الذي نوهنا به كما هو المتبادر .

ومع ما ذكرناه من صلة الآيات وهدفها ، ففيها وبخاصة في الآيتين الأخيرتين فيهما تلقين مستمر المدى موجه إلى الناس عامة في كل ظرف ومكان ليرعووا ويتعظوا ويتجهوا نحو الله عز وجل مما تكرر وعرف منه أمثلة عديدة .