1- سورة " الطور " من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها تسع وأربعون آية في الكوفي والشامي ، وثمان وأربعون في البصري ، وسبع وأربعون في المصحف الحجازي .
وهذه السورة من السور التي كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها كثيرا في صلاته .
روى الشيخان عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فما سمعت أحداً أحسن صوتا أو قراءة منه .
وروى البخاري عن أم سلمت قالت : شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني اشتكي . فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت ، يقرأ بالطور وكتاب مسطور( {[1]} ) .
2- وتفتتح سورة " الطور " بقسم من الله –تعالى- ببعض مخلوقاته على أن البعث حق ، وعلى أن الجزاء حق ، وعلى أن كل ذلك كائن يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات .
تفتتح بهذا الافتتاح الذي يبعث الوجل والخوف في النفوس فتقول : [ والطور . وكتاب مسطور . في رق منشور . والبيت المعمور ، والسقف المرفوع . والبحر المسجور . إن عذاب ربك لواقع . ماله من دافع ] .
3- وكعادة القرآن الكريم في المقارنة بين الأخيار والأشرار ، يأتي الحديث ن حسن عاقبة المؤمنين ، بعد الحديث عن سوء عاقبة المكذبين ، فيقول –سبحانه- : [ إن المتقين في جنات ونعيم . فاكهين بما آتاهم ربهم ، ووقاهم ربهم عذاب الجحيم . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ] .
4- ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن مفتريات المشركين وأكاذيبهم ، فتحكيها بأمانة . وتقذف بالحق الذي أوحاه –سبحانه- إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فإذا بتلك المفتريات والأكاذيب زاهقة وباطلة ، وتسوق ذلك بأسلوب ساحر خلاب فتقول : [ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون . قل تربصوا ، فإني معكم من المتربصين . أم تأمرهم أحلامهم بهذا ، أم هم قوم طاغون . أم يقولون تقوله ، بل لا يؤمنون . فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ] .
5- ثم تختتم السورة الكريمة بما يسلي النبي صلى الله عليه وسلم وبما يرسم له العلاج الشافي فتقول : [ واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ، وسبح بحمد ربك حين تقول . ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ] .
افتتح الله - تعالى - هذه السورة الكريمة بالقسم خمسة أشياء هى من أعظم مخلوقاته ، للدلالة على كمال قدرته ، وبديع صنعته ، وتفرد ألوهيته . . . فقال - سبحانه - : { والطور } والمراد به جبل الطور ، والمشار إليه فى قوله - تعالى - : { والتين والزيتون وَطُورِ سِينِينَ } قال القرطبى : والطور : اسم الجبل الذى كلم الله - تعالى - عليه موسى ، أقسم الله به تشريفا وتكريما له ، وتذكيرا لما فيه من الآيات . . . وقيل : إن الطور اسم لكل جبل أنبت ، ومالا ينبت فليس بطور .
هذه مخلوقات أقسم الله بها تنبيهاً منها وتشريفاً ، وليكون ذلك سبب النظر فيها والاعتبار بها ، وذلك يؤول إلى التوحيد والمعرفة بحقوق الله .
{ والطور } قال بعض أهل اللغة : كل جبل : طور ، فكأنه أقسم بالجبال ، إذ هو اسم جنس وقال آخرون : «الطور » كل جبل أجرد لا ينبت شجراً . وقال مجاهد في كتاب الطبري : «الطور » الجبل بالسريانية ، وهذا ضعيف ، لأن ما حكاه في العربية يقضي على هذا ، ولا خلاف أن في الشام جبلاً يسمى ب «الطور » ، وهو طور سيناء . وقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال . إذ قد روي أن الله تعالى أوحى إلىلجبال إني مهبط على أحدكم أمري . يريد رسالة موسى عليه السلام ، فتطاولت كلها إلا الطور فإنه استكان لأمر الله وقال حسبي الله ، فأهبط الله الأمر عليه . ويقال إنه بمدين . وقال مقاتل بن حيان هما طوران .
سميت هذه السورة عند السلف { سورة الطور } دون واو قبل الطور . ففي جامع الطواف من الموطإ حديث مالك عن أم سلمة قالت فطفت ورسول الله إلى جنب البيت يقرأ ب{ والطور وكتاب مسطور } ، أي يقرأ بسورة الطور ولم ترد يقرأ بالآية لأن الآية فيها { والطور } بالواو وهي لم تذكر الواو .
وفي باب القراءة في المغرب من الموطإ حديث مالك عن جبير بن مطعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب .
وفي تفسير سورة الطور من صحيح البخاري عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون } كاد قلبي أن يطير . وكان جبير بن مطعم مشركا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسرى بدر وأسلم يومئذ .
وكذلك وقعت تسميتها في ترجمتها من جامع الترمذي وفي المصاحف التي رأيناها ، وكثير من التفاسير . وهذا على التسمية بالإضافة ، أي سورة ذكر الطور كما يقال : سورة البقرة ، وسورة الهدهد ، وسورة المؤمنين .
وفي ترجمة هذه السورة من تفسير صحيح البخاري { سورة والطور } بالواو على حكاية اللفظ الواقع في أولها كما يقال { سورة قل هو الله أحد } . وهي مكية جميعها بالاتفاق .
وهي السورة الخامسة والسبعون في ترتيب نزول السور . نزلت بعد سورة نوح وقبل سورة المؤمنين .
وعد أهل المدينة ومكة آيها سبعا وأربعين ، وعدها أهل الشام وأهل الكوفة تسعا وأربعين ، وعدها أهل البصرة ثمانيا وأربعين .
أول أغراض هذه السورة التهديد بوقوع العذاب يوم القيامة للمشركين المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إثبات البعث وبالقرآن المتضمن ذلك فقالوا : هو سحر .
ومقابلة وعيدهم بوعد المتقين المؤمنين وصفة نعيمهم ووصف تذكرهم خشية ، وثنائهم على الله بما من عليهم فانتقل إلى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وإبطال أقوالهم فيه وانتظارهم موته .
وتحديهم بأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن .
وإبطال خليط من تكاذيبهم بإعادة الخلق وببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من كبرائهم وبكون الملائكة بنات الله وإبطال تعدد الآلهة وذكر استهزائهم بالوعيد .
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركهم وأن لا يحزن لذلك ، فإن الوعيد حال بهم في الدنيا ثم في الآخرة وأمره بالصبر ، ووعده بالتأييد ، وأمر بشكر ربه في جميع الأوقات .
القَسَم للتأكيد وتحقيق الوعيد . ومناسبة الأمور المقسم بها للمقسم عليه أن هذه الأشياء المقسم بها من شؤون بعثه موسى عليه السلام إلى فرعون وكان هلاك فرعون ومن معه من جراء تكذيبهم موسى عليه السلام .
و { الطور } : الجبل باللغة السريانيّة قاله مجاهد . وأدخل في العربية وهو من الألفاظ المعربة الواقعة في القرآن .
وغلب علَماً على طور سينا الذي ناجى فيه موسى عليه السلام ، وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة .
فالقسم به باعتبار شرفه بنزول كلام الله فيه ونزول الألواح على موسى وفي ذكر الطور إشارة إلى تلك الألواح لأنها اشتهرت بذلك الجبل فسميت طور المعرّب بتوراة .
وأما الجبل الذي خوطب فيه موسى من جانب الله فهو جبل حُوريب واسمه في العربية ( الزّبير ) ولعله بجانب الطور كما في قوله تعالى : { آنس من جانب الطور ناراً } وتقدم بيانه في سورة القصص ( 29 ) ، وتقدم عند قوله تعالى : { ورفعنا فوقكم الطور } في سورة البقرة ( 63 ) .
والقَسَم بالطور توطئة للقسم بالتوراة التي أنزل أولها على موسى في جبل الطور .
والمراد { بكتاب مسطور في رَقّ منشور } التوراةُ كلها التي كتبها موسى عليه السلام بعد نزول الألواح ، وضمَّنها كل ما أوحَى الله إليه مما أمر بتبليغه في مدة حياته إلى ساعات قليلة قبل وفاته . وهي الأسفار الأربعة المعروفة عند اليهود : سفر التكوين ، وسفر الخروج ، وسفر العَدد ، وسفر التثنية ، وهي التي قال الله تعالى في شأنها : { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } في سورة الأعراف ( 154 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.