التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ وَفۡدٗا} (85)

ثم بين - سبحانه - عاقبة المتقين ، وعاقبة المجرمين يوم القيامة فقال : { يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } و { يَوْمَ } ظرف منصوب بقوله : { لاَّ يَمْلِكُونَ . . } . أى : لا يملكون الشفاعة يوم نحشر المتقين . . . . ويجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره : اذكر أو احذر . . .

وقوله : { وَفْداً } جمع وافد . يقال : وفد فلان على فلان يفد وفدا ووفودا ، إذا أقدم عليه ، وفعله من باب وعد .

ويطلق الوفد على الجمع من الرجال الذين يفدون على غيرهم لأمر من الأمور الهامة ، وهم راكبون على دوابهم . وهذا الإطلاق هو المراد باللفظ هنا .

والمعنى : واذكر - أيها العاقل - يوم القيامة ، يوم نحشر المتقين إلى جنة الرحمن ، ودار كرامته راكبين على مراكب تنشرح لها النفوس وتسر لها القلوب .

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : يخبر الله - تعالى - عن أوليائه المتقين ، الذين خافوه فى الدار الدنيا ، واتبعوا رسله وصدقوهم ، أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه . والوفد هم القادمون ركبانا ومنه الوفود ، وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة . وهم قادمون على خير موفود إليه ، إلى دار كرامته ورضوانه .

وقال ابن أبى حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج . . . عن ابن مرزوق قال : يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها ، أطيبها ريحا ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أما تعرفنى ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله - تعالى - طيب ريحك وحسن وجهك . فيقول : أنا عملك الصالح . . . فهلم فاركبنى فذلك قوله : { يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ وَفۡدٗا} (85)

قال القاضي أبو محمد : وما تضمنته هذه الألفاظ من الوعيد بعذاب الآخرة هو العامل في قوله { يوم } ويحتمل أن يعمل فيه لفظ مقدر تقديره واذكر أو احذر ونحو هذا ، و «الحشر » الجمع ، وقد صار في عرف ألفاظ الشرع البعث من القبور ، وقرأ الحسن يوم «يحشر المتقون ويساق المجرمون » ، وروي عنه «ويسوق المجرمين » بالياء . و «المتقون » هم المؤمنون الذين غفر لهم ، وظاهر هذه الوفادة أنها بعد انقضاء الحساب ، وإنما هي النهوض الى الجنة ، وكذلك سوق المجرمين إنما هو لدخول النار . و { وفداً } قال المفسرون معناه ركباناً وهي عادة الوفود لأنهم سراة الناس{[8046]} وأحسنهم شكلاً فشبه أهل الجنة بأولئك لا أنهم في معنى الوفادة إذ هو مضمن الانصراف ، وإنما المراد تشبيههم بالوفد هيئة وكرامة ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم يجيئون ركباناً على النوق المحلاة بحلية الجنة خطمها{[8047]} من ياقوت وزبرجد ونحو هذا ، وروي عن عمر بن قيس الملائي{[8048]} أنهم يركبون على تماثيل من أعمالهم الصالحة هي في غاية الحسن ، وروي «أنهم يركب كل أحد منهم ما أحب فمنهم من يركب الإبل ومن يركب الخيل ومن يركب السفن فتجيء عائمة بهم » ، وقد ورد في الضحايا أنها مطاياكم إلى الجنة ، وفي أكثرها بعد ، لكن ذكرناه بحسب الجمع للأقوال .


[8046]:سراة: جمع سري، وهو الشريف.
[8047]:الخطم: جمع خطام، وهو ما وضع على خطم الجمل ليقاد به.
[8048]:عمرو بن قيس الملائي ـ بضم الميم وتخفيف اللام والمد ـ أبو عبد الله، الكوفي، قال عنه في "تقريب التهذيب": ثقة متقن عابد، من السادسة، مات سنة بضع وأربعين.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ وَفۡدٗا} (85)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يوم نجمع الذين اتقوا في الدنيا فخافوا عقابه، فاجتنبوا لذلك معاصيه، وأدّوا فرائضه إلى ربهم "وَفْدا "يعني بالوفد: الركبان. يقال: وفدت على فلان: إذا قدمت عليه، وأوفد القوم وفدا على أميرهم، إذا بعثوا من قبلهم بعثا...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الوفد في الشاهد هم أهل الكرامة والمنزلة؛ يُبعثون لأمور. فكأنه ذكر أن المتقين يحشرون، وهم مكرمون معظمون، ولهم منزلة عند الله وقدر،...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وَفْداً} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: ركباناً، قاله الفراء. الثاني: جماعة، قاله الأخفش. الثالث: زوّاراً، قاله ابن بحر...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

قيل ركباناً على نجائب طاعاتهم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... ذكر المتقون بلفظ التبجيل. وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وخصهم برضوانه وكرامته، كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وظاهر هذه الوفادة أنها بعد انقضاء الحساب، وإنما هي النهوض الى الجنة، وكذلك سوق المجرمين إنما هو لدخول النار...

و {وفداً} قال المفسرون معناه ركباناً وهي عادة الوفود لأنهم سراة الناس وأحسنهم شكلاً، فشبه أهل الجنة بأولئك لا أنهم في معنى الوفادة إذ هو مضمن الانصراف، وإنما المراد تشبيههم بالوفد هيئة وكرامة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما بين مآل حال الكافرين في آلهتهم ودليله، أتبعه بوقته فقال: {يوم} أي يكفرون بعبادتهم يوم {نحشر المتقين} أي العريقين في هذا الوصف؛ ولما تقدمت سورة النعم العامة النحل، وأتبعت سورة النعم الخاصة بالمؤمنين وبعض العامة، مثل

{ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]، ثم سورتي الخاصة بالصالحين الكهف وهذه، قال: {إلى الرحمن} فيدخلهم دار الرضوان، فذكر الاسم الدال على عموم الرحمة، وكرره في هذه السورة تكريراً دل على ما فهمته، وربما أيد ذلك افتتاح النحل بنعمة البيان على هذا الإنسان التي عبر عنها بالخصيم، وختام هذه بالقوم اللد من حيث رد مقطع هذه التي كانت بالنظر إلى النعم شيئاً واحداً على مطلعها {وفداً} أي القادمين في إسراع ورفعة وعلى، كما تقدم الوفود على الملوك، فيكونون في الضيافة والكرامة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والحشر: الجمع مطلقاً، يكون في الخير كما هنا، وفي الشرّ كقوله: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 22، 23]، ولذلك أتبع فعل {نحشر} بقيد {وَفداً}، أي حَشْر الوفود إلى الملوك، فإن الوفود يكونون مُكرمين، وكانت لملوك العرب وكرمائهم وفود في أوقات، ولأعيان العرب وفادات سنويّة على ملوكهم وسادتهم، ولكلّ قبيلة وفادة... وقد اتّبع العرب هذه السنّة فوفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم لأنّه أشرف السادة. وسنةُ الوفود هي سنة تسع من الهجرة تلت فتحَ مكة بعموم الإسلام بلاد العرب. وذكر صفة {الرَّحمان} هنا واضحة المناسبة للوفد...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الملفت للنظر أنّنا نقرأ في الآية: أنّ المتقين يحشرون إلى الرحمن، في حين أنّ الكلام في الآية التالية عن سوق المجرمين إلى جهنم، وعلى هذا ألم يكن من المناسب أن يقال: (الجنة) هنا بدل (الرحمن)؟ إِلاّ أنّ هذا التعبير في الحقيقة يشير إلى نكتة مهمة، وهي أن المتقين يحصلون هناك على ما هو أسمى من الجنة، فهم يقتربون من الله وتجلياته الخالصة، ويدركون رضاه الذي هو أسمى وأغلى من الجنّة.