التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ كَذَبُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡۚ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (24)

قال ابن عباس : يغفر الله - تعالى - لأهل الإخلاص ذنوبهم . ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا : إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك ، فتعالوا نقول : إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين . فقال الله - تعالى - : أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم ، فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فعندئذ يعرف المشركون أن الله لا يكتم حديثاً ، فذلك قوله :

{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً } ثم قال - تعالى - { انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } .

والمراد بالنظر هنا : التدبر والتفكير .

والمعنى : انظر - أيها العاقل - وتأمل كيف كذب هؤلاء المشركون على أنفسهم فى قولهم والله ربنا وما كنا مشركين ، وغاب عن عملهم ما كانوا يفترونه فى الدنيا من الأقوال الباطلة ، وما كانوا يفعلونه من جعلهم لله شركاء .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور مع أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته ؟ قلت : الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشاً : ألا تراهم يقولون { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه { وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } وقد علموا أنه لا يقضى عليهم " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ كَذَبُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡۚ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (24)

وقوله تعالى { انظر كيف كذبوا } الآية ، الخطاب لمحمد عليه السلام ، والنظر نظر القلب ، وقال كذبوا في أمر لم يقع إذ هي حكاية يوم القيامة ، فلا إشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل ويفيدنا استعمال الماضي تحقيقاً ما في الفعل وإثباتاً له ، وهذا مهيع في اللغة ، ومنه قول الربيع بن ضبع الفزاري : [ المنسرح ]

أَصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاَحَ ولا . . . أمْلِكُ رَأْسَ البَعيِرِ إن نَفَرَا

يريد أن ينفر { وضل عنهم } معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكذبهم بادعائهم لله تبارك وتعالى الشركاء{[4870]} .


[4870]:- معنى كلامه هذا أن [ما] هنا مصدرية. وقد ذهب الزمخشري إلى أنها بمعنى الذي، قال المعنى: "وغاب عنهم ما كانوا يفترون ألوهيته وشفاعته". وهذا هو معنى ما قاله الحسن وأبو علي إذ قالا: المعنى: "لم يغن عنهم شيئا ما كانوا يعبدون من الأصنام في الدنيا".