التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا فَقُلۡنَا هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ فَعَلِمُوٓاْ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (75)

وقوله - تعالى - : { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } .

أى : أخرجنا بسرعة من كل أمة من الأمم شهيدا يشهد عليهم ، والمراد به الرسول الذى أرسله - سبحانه - إلى تلك الأمة المشهود عليها . { فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } أى : فقلنا لهؤلاء المشركين - بعد أن شهد عليهم أنبياؤهم بأنهم قد بلغوهم رسالة الله - قلنا لهم : هاتوا برهانكم وأدلتكم على صحة ما كنتم عليه من شرك وكفر فى الدنيا : والأمر هنا للتعجيز والإفضاح .

ولذا عقب - سبحانه - عليهم بقوله : { فعلموا أَنَّ الحق لِلَّهِ } أى : فعجزوا عن الإتيان بالبرهان ، وعلموا أن العبادة الحق إنما هى لله - تعالى - وحده . { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أى : وغاب عنهم ما كانوا يفترونه فى حياتهم ، من أن معبوداتهم الباطلة ستشفع لهم يوم القيامة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا فَقُلۡنَا هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ فَعَلِمُوٓاْ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (75)

{ ونزعنا } وأخرجنا . { من كل أمة شهيدا } وهو نبيهم يشهد عليهم بما كانوا عليه . { فقلنا } للأمم . { هاتوا برهانكم } على صحة ما كنتم تدينون به . { فعلموا } حينئذ . { أن الحق لله } في الألوهية لا يشاركه فيها أحد . { وضل عنهم } وغاب عنهم غيبة الضائع . { ما كانوا يفترون } من الباطل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا فَقُلۡنَا هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ فَعَلِمُوٓاْ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (75)

والنزع : جذب شيء من بين ما هو مختلط به واستعير هنا لإخراج بعض من جماعة كما في قوله تعالى { ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمان عتياً } في سورة مريم ( 69 ) . وذلك أن الأمم تأتي إلى المحشر تتبع أنبياءها ، وهذا المجيء الأول ، ثم تأتي الأنبياء مع كل واحد منهم من آمنوا به كما ورد في الحديث " يأتي النبي معه الرهط والنبي وحده ما معه أحد » . "

والتُفت من الغيبة إلى التكلم في { ونزعنا } لإظهار عظمة التكلم ، وعطف { فقلنا } على { ونزعنا } لأنه المقصود . والمخاطب ب { هاتوا } هم المشركون ، أي هاتوا برهانكم على إلهية أصنامكم .

و { هاتوا } اسم فعل معناه ناولوا ، وهات مبني على الكسر . وقد تقدم في قوله تعالى { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } في سورة البقرة ( 111 ) ، واستعيرت المناولة للإظهار .

والأمر مستعمل في التعجيز فهو يقتضي أنهم على الباطل فيما زعموه من الشركاء ، ولما علموا عجزهم من إظهار برهان لهم في جعل الشركاء لله أيقنوا أن الحق مستحق لله تعالى ، أي علموا علم اليقين أنهم لا حق لهم في إثبات الشركاء وأن الحق لله إذ كان ينهاهم عن الشرك على لسان الرسول في الدنيا ، وأن الحق لله إذ ناداهم بأمر التعجيز في قوله { هاتوا برهانكم } .

و { ما كانوا يفترون } يشمل ما كانوا يكذبونه من المزاعم في إلهية الأصنام وما كانوا يفترون له الإلهية من الأصنام ، كل ذلك كانوا يفترونه .

والضلال : أصله عدم الاهتداء إلى الطريق . واستعير هنا لعدم خطور الشيء في البال ولعدم حضوره في المحضر من استعمال اللفظ في مجازيه .

و { عنهم } متعلق بفعل { ضل } . والمراد : ضل عن عقولهم وعن مقامهم ؛ مثلوا بالمقصود للسائر في طريق حين يخطىء الطريق فلا يبلغ المكان المقصود . وعلق بالضلال ضمير ذواتهم ليشمل ضلال الأمرين فيفيد أنهم لم يجدوا حجة يروجون بها زعمهم إلهية الأصنام ، ولم يجدوا الأصنام حاضرة للشفاعة فيهم فوجموا عن الجواب وأيقنوا بالمؤاخذة .