التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

ثم بين - سبحانه - الغاية من رسالته صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - { يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام } .

والضمير في قوله ( به ) يعود إلى مجموع ما ذكر ، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور و ( سبل ) جمع سبيل بمعنى طريق . و ( السلام ) مصدر بمعنى السلامة .

والمعنى : قد جاءكم - يا معشر أهل الكتاب - من الله نور وكتاب مبين - يهدي الله - تعالى - بذلك أو بالكتاب { مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ } أي : من علم - سبحانه - منه أنه يريد اتباع ما يرضي بأن يخلص له العبادة ويستجيب للحق الذي أرسل به أنبياءه فإنه متى كان كذلك ، أوصله - سبحانه - إلى { سُبُلَ السلام } أي : إلى طرق السلامة والنجاة من كل خوف وشقاء ، بأن يثبته في الدنيا على طريق الحق ، ويكرمه في الآخرة بمثوبته وجنته هذه هي الثمرة الأولى من ثمار اتباع ما جاء من عندالله من نور وكتاب مبين . أما الثمرة الثانية فقد بينها - سبحانه - بقوله : { وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ } .

والضمير المنصوب في قوله ( ويخرجهم ) وهو ( هم ) يعود إلى ( من ) في قوله { مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ } باعتبار المعنى .

أي : ويخرج - سبحانه - هؤلاء الأخيار الذين علم منهم اتباع ما يرضيه يخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الحق والإِيمان ( بإذنه ) أي : بإرادته وعلمه .

وقوله : { وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } بيان للثمرة الثالثة من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من حق وخير .

أي : ويهدي - سبحانه - هؤلاء الذين علم منهم اتباع ما يرضيه إلى صراط مستقيم ، وطريق قويم لا اعوجاج فيه ولا اضطراب ، وهو طريق الإِسلام الذي يوصل إلى الفوز الفلاح في الدنيا والآخرة .

وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا أهل الكتاب إلى اتباع الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله ، بأوضح أسلوب ، وأكمل بيان ، وبينتا لهم ما يترتب على اتباعه صلى الله عليه وسلم من منافع جليلة ، وفوائد عظيمة تجعلهم يسارعون إلى تصديقه إن كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

{ يهدي به الله } وحد الضمير لأن المراد بهما واحد ، أو لأنهما كواحد في الحكم . { من اتبع رضوانه } من اتبع رضاه بالإيمان منهم . { سبل السلام } طرق السلامة من العذاب ، أو سبل الله . { ويخرجهم من الظلمات إلى النور } من أنواع الكفر إلى الإسلام . { بإذنه } بإرادته أو توفيقه . { ويهديهم إلى صراط مستقيم } طريق هو أقرب الطرق إلى الله سبحانه وتعالى ومؤد إليه لا محالة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

ضمير { به } راجع إلى الرسول أو إلى الكتاب المبين .

وسُبلُ السلام : طرق السلامة الّتي لا خوف على السائر فيها . وللعرب طرق معروفة بالأمن وطرق معروفة بالمخافة ، مثل وادي السباع ، الذي قال فيه سُحيم بن وثيل الرياحي :

ومررتُ على وادي السباع ولا أرى *** كوادِي السباع حين يُظلِم وادِيا

أقَلّ به ركبٌ أتـــــــوهَ تَئِيَّةً *** وأخوفَ إلاّ ما وقى اللّهُ ساريا

فسبيل السلام استعارة لطرق الحقّ . والظلماتُ والنّور استعارة للضلال والهدى . والصراط المستقيم مستعار للإيمان .