ثم بين - سبحانه - أن مرد الفصل بين الفرق المختلفة إليه وحده . إذ هو العليم بكل ما عليه كل فرقة من حق أو باطل ، فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ . . . } .
فى هذه الآية الكريمة حدثنا القرآن عن ست فرق من الناس : أما الفرقة الأولى ، فهى : فرقة الذين آمنوا ، والمراد بهم : الذين آمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وصدقوه واتبعوه .
وابتدأ القرآن بهم ، للإشعار بأن دين الإسلام هو الدين الحق ، القائم على أساس أن الفوز برضا الله - تعالى - لا ينال إلا الإيمان والعمل الصالح ، ولا فضل لأمة على أمة إلا بذلك ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ } وأما الفرقة الثانية فهى فرقة الذين هادوا أى : صاروا يهودا . يقال : هاد فلان وتهود أى : دخل فى اليهودية .
وسموا يهودا نسبة إلى " يهوذا " أحد أولاد يعقوب - عليه السلام - ، وقلبت الذال دال عند التعريب . أو سموا يهودا حين تابوا من عبادة العجل مأخوذ من هاد يهود هودا بمعنى تاب . ومنه قوله - تعالى - : { إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ } أى : تبنا إليك .
والفرقة الثالثة هى فرقة " الصابئين " جمع صابئ ، وهو الخارج من دين إلى آخر .
يقال : صبأ الظِّلْف والناب والنجم - كمنع وكرم - إذا طلع .
والمراد بهم : الخارجون من الدين الحق إلى الدين الباطل . وهم قوم يعبدون الكواكب والملائكة ويزعمون أنهم على دين صابئ بن شيث ابن آدم .
والفرقة الرابعة هى فرقة " النصارى " جمع نصران بمعنى نصرانى كندامى وندمان . والياء فى نصرانى للمبالغة ، وهم قوم عيسى - عليه السلام - ، قيل : سموا بذلك لأنهم كانوا أنصارا له : وقيل : إن هذا الاسم مأخوذ من الناصرة ، وهى القرية التى كان عيسى قد نزل بها .
وأما الفرقة الخامسة فهى فرقة " المجوس " وهم قوم يعبدون الشمس والقمر والنار . وقيل : هم قوم أخذوا من دين النصارى شيئاً ، ومن دين اليهود شيئاً ، ويقولون : بأن للعالم أصلين : نوراً وظلمة . . .
وأما الفرقة السادسة والأخيرة فهى فرقة الذين أشركوا . والمشهودر أنهم عبدة الأصنام والأوثان ، وقيل ما يشملهم ويشمل معهم كل من اتخذ مع الله - تعالى - إلها آخر .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } بيان لما سيكون عليه حالهم جميعاً يوم القيامة ، من حكم عادل سيحكم الله - تعالى - به عليهم .
أى : إن الله تعالى يحكم بين هؤلاء جميعاً بحكمه العادل يوم القيامة ، إنه - سبحانه - على كل شىء شهيد ، بحيث لا يخفى عليه شىء من أحوال خلقه .
قال الجمل ما ملخصه : ولهذه الآية قيل : الأديان ستة . واحد للرحمن وهو الإسلام . وخمسة للشيطان وهى ما عداه . وإنَّ الثانية واسمها وخبرها فى محل رفع خبر لإن الأولى .
وقوله : { إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } تعليل لقوله : { إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ . . } وكأن قائلاً قال : أهذا الفصل عن علم أو لا ؟ فقيل : إن الله على كل شىء شهيد . أى : علم به علم مشاهدة " .
{ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } بالحكومة بينهم وإظهار المحق منهم على المبطل ، أو الجزاء فيجازي كلا ما يليق به ويدخله المحل المعدل له ، وإنما أدخلت إن على كل واحد من طرفي الجملة لمزيد التأكيد . { إن الله على كل شيء شهيد } عالم به مراقب لأحواله .
ثم أخبر الله تعالى عن فعله بالفرق المذكورين وهم المؤمنون بمحمد عليه السلام وغيره ، واليهود والصابئون وهم قوم يعبدون الملائكة ويستقبلون القبلة ويوحدون الله ويقرؤون الزبور قاله قتادة { والنصارى والمجوس } وهم عبدة النار والشمس والقمر ، والمشركون وهم عبدة الأوثان ، قال قتادة الأديان ستة ، خمسة للشيطان وواحد للرحمن وخبر { إن } قوله تعالى الله { يفضل بينهم } ، ثم دخلت { إن } على الخبر مؤكدة وحسن ذلك لطول الكلام فهي وما بعدها خبر { إن } الأولى ، وقرن الزجاج هذه الآية . بقول الشاعر : [ البسيط ]
إن الخليفة إن الله سربله . . . سربال ملك به ترجى الخواتيم{[8326]}
نقله من الطبري ع وليس هذا البيت كالآية لأن الخبر في البيت في قوله ترجى الخواتيم وإن الثانية وجملتها معترضة بين الكلامين ، ثم تم الكلام كله في قوله تعالى : { القيامة } واستأنف الخبر عن { إن الله على كل شيء شهيد } عالم به وهذا خبر مستأنف للفصل بين الفرق وفصل الله تعالى بين هذه الفرق هو إدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.