الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (17)

قوله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ } : الآية فيها ثلاثةُ أوجه ، أحدُها : أنَّ " إنَّ " الثانيةَ واسمَها وخبرَها في محلِّ رفع خبراً ل " إنَّ " الأولى . قال الزمخشري : " وأُدْخِلَتْ " إنَّ " على كلِّ واحدٍ من جُزْأَي الجملةِ لزيادةِ التأكيدِ . ونحوُه قولُ جريرٍ :

إنَّ الخليفةَ إنَّ اللهَ سَرْبلَه *** سِرْبالَ مُلْكٍ به تُرْجَى الخواتيمُ

قال الشيخ : " وظاهرُ هذا أنه شَبَّه البيتَ بالآيةِ ، وكذلك قرنه الزَّجَّاج بالآية ، ولا يتعيَّنُ أن يكونَ البيتُ كالآية ؛ لأنَّ البيتَ يَحْتمل أَنْ يكونَ " الخليفةَ " خبرُه " به تُرْجَى الخواتيمُ " ، ويكونَ " إنَّ اللهَ سَرْبَله " جملةَ اعتراضٍ بين اسمِ " إنَّ " وخبرِها ، بخلافِ الآيةِ ، فإنه يتعيَّنُ قولُه : { إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ } . وحَسَّنَ دخولَ " إنَّ " على الجملةِ الواقعةِ خبراً طولُ الفَصْلِ بينهما بالمعاطيف " .

قلت : قوله : " فإنَّه يتعيَّنُ قولُه إن الله يَفْصِل " يعني أن يكونَ خبراً . ليس كذلك لأنَّ الآيةَ محتمِلةٌ لوجهين آخرين ذكرهما الناسُ . الأول : أن يكونَ الخبرُ محذوفاً تقديرُه : يفترقون يومَ القيامة ونحُوه ، والمذكورُ تفسيرٌ له . كذا ذكره أبو البقاء . والثاني : أنَّ " إنَّ " الثانيةَ تكريرٌ للأولى على سبيلِ التوكيدِ . وهذا ماشٍ على القاعدة : وهو أنَّ الحرفَ إذا كُرِّرَ توكيداً أُعِيْدَ معه ما اتَّصل به أو ضميرُ ما اتَّصل به ، وهذا قد أُعِيدَ معه ما أتَّصل به أولاً : وهي الجلالةُ المعظمةُ ، فلم يتعيَّنْ أَنْ يكونَ قولُه : { إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ } خبراً ل " إنَّ " الأَوْلى كما ذُكر .

وقد تقدَّم تفسيرُ ألفاظِ هذه الآيةِ ، إلاَّ المجوسَ . وهم قومٌ اختلف أهلُ العلمِ فيهم فقيل : قومٌ يعبدون النارَ . وقيل : الشمسَ والقمرَ . وقيل : اعتزلوا النصارى ولَبِسوا المُسُوْح . وقيل : أَخَذوا من دين النصارى شيئاً ، ومن دينِ اليهودِ شيئاً ، وهم القائلونَ بأنَّ للعالم أصلين : نورٌ وظلمةٌ . وقيل : هم قومٌ يستعملون النجاساتِ ، والأصل : نَجوس بالنونِ فأُبْدِلَتْ ميماً .