جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئِينَ وَالنّصَارَىَ وَالْمَجُوسَ وَالّذِينَ أَشْرَكُوَاْ إِنّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره : إن الفصل بين هؤلاء المنافقين الذين يعبدون الله على حرف ، والذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام ، والذين هادوا ، وهم اليهود والصابئين والنصارى والمجوس الذي عظموا النيران وخدموها ، وبين الذين آمنوا بالله ورسله إلى الله ، وسيفصل بينهم يوم القيامة بعدل من القضاء وفصله بينهم إدخاله النار الأحزاب كلهم والجنة المؤمنين به وبرسله فذلك هو الفصل من الله بينهم .

وكان قَتادة يقول في ذلك ، ما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هادُوا وَالصّابئِينَ والنّصَارَى والمَجُوسَ وَالّذِينَ أشْرَكُوا قال : الصابئون : قوم يعبدون الملائكة ، ويصلّون للقبلة ، ويقرءون الزبور . والمجوس : يعبدون الشمس والقمر والنيران . والذين أشركوا : يعبدون الأوثان . والأديان ستة : خمسة للشيطان ، وواحد للرحمن .

وأدخلت «إنّ » في خبر «إنّ » الأولى لما ذكرت من المعنى ، وأن الكلام بمعنى الجزاء ، كأنه قيل : من كان على دين من هذه الأديان ففصل ما بينه وبين من خالفه على الله . والعرب تدخل أحيانا في خبر «إنّ » «إنّ » إذا كان خبر الاسم الأوّل في اسم مضاف إلى ذكره ، فتقول : إنّ عبد الله إنّ الخير عنده لكثير ، كما قال الشاعر .

إنّ الخَلِيفَةَ إنّ اللّهَ سَرْبَلَهُ *** سِرْبالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الخَوَاتِيمُ

وكان الفرّاء يقول : من قال هذا لم يقل : إنك إنك قائم ، ولا إن إياك إنه قائم لأن الاسمين قد اختلفا ، فحسن رفض الأوّل ، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ ، فحسن للاختلاف وقبح للاتفاق .

وقوله : إنّ اللّهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ يقول : إن الله على كل شيء من أعمال هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله جلّ ثناؤه ، وغير ذلك من الأشياء كلها شهيد لا يخفى عنه شيء من ذلك .