فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (17)

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو بما ذكر من الآيات البينات { وَالَّذِينَ هَادُوا } هم اليهود المنتسبون إلى ملة موسى { وَالصَّابِئِينَ } هم قوم يعبدون النجوم ، وقيل هم من جنس النصارى وليس ذلك بصحيح بل هم فرقة معروفة لا ترجع إلى ملة من الملل المنتسبة إلى الأنبياء { وَالنَّصَارَى } هم المنتسبون إلى ملة عيسى { وَالْمَجُوسَ } هم الذين يعبدون النار ويقولون إن للعالم أصلين النور والظلمة .

وقيل هم قوم يعبدون الشمس والقمر ، وقيل هم يستعملون النجاسات . وقيل هم قوم من النصارى اعتزلوهم ولبسوا المسوح ، وقيل إنهم أخذوا بعض دين اليهود وبعض دين النصارى .

{ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } هم الذين يعبدون الأصنام ، وقد مضى تحقيق هذا في البقرة ، ولكنه سبحانه قدم هنالك النصارى على الصابئين وأخرهم عنهم هنا ، فقيل وجه التقديم هنالك أنهم أهل الكتاب دون الصابئين ، ووجه تقديمهم هنا أن زمنهم متقدم على زمن النصارى .

قال قتادة : الصابئون هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون للقبلة ويقرأون الزبور ، والمجوس عبدة الشمس والقمر والنيران ، والذين أشركوا عبدة الأوثان { إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ } أي يقضي { بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } فيدخل المؤمنين منهم الجنة ، والكافرين منهم النار ، وقيل الفصل هو أن يميز المحق من المبطل بعلامة يعرف بها كل واحد منهما .

وقيل يفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعا فلا يجازيهم جزاء واحدا بغير تفاوت ، ولا يجمعهم في مواطن واحد قال قتادة : الأديان ستة ، فخمسة للشيطان وواحد للرحمان ، وعن عكرمة قال : فصل قضاء بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة .

وعن ابن عباس قال : { وَالَّذِينَ هَادُوا } اليهود والصابئون ليس لهم كتاب ، والمجوس أصحاب الأصنام ، والمشركون نصارى العرب { إِنَّ اللَّهَ } تعليل لما قبلها وكأن قائلا قال : أهذا الفصل عن علم أو لا ؟ فقيل إن الله { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ } من أفعال خلقه وأقوالهم " شهيد " عالم علم مشاهدة لا يعزب عنه شيء منها ، ومن قضيته الإحاطة بتفاصيل ما صدر عن كل فرد من أفراد الفرق المذكورة ، والظاهر تعميم الكلام لعبدة الأوثان ولعباد الشمس والقمر والنجوم . قال الكرخي .