التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (2)

ومعنى " أذنت " : استمعت . يقال : أذن له ، بمعنى استمع له بإصغاء تام - وبابه طرب - وفى الحديث الصحيح : " ما أذن الله لشئ إذنه لنبى يتغنى القرآن " ، وقال الشاعر :

صمٍّ إذا سمعوا خيرا ذكرتُ به . . . وإن ذُكِرْتُ بسوء عندهم أذنوا

وجملة " وحقت " معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه . أى : إذا السماء تصدعت واختل نظامها ، واستمعت لأمر ربها استماعاً تاما ، وانقادت لحكمة انقياد العبد لسيده ، وجعلت حقيقة وجديرة بالانقياد والاستماع والطاعة فى جميع الأحوال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (2)

{ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } أي : استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق { وَحُقَّتْ } أي : وحق لها أن تطيع أمره ؛ لأنه العظيم الذي لا يُمانَع ولا يغالب ، بل قد قهر كلّ شيء وذل له كل شيء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (2)

{ وأذنت } معناه : استمتعت ، وسمعت ، أي أمره ونهيه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن{[11697]} » ، ومنه قول الشاعر [ قعنب بن أم صاحب ] : [ البسيط ]

صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به . . . وإن ذُكِرْتُ بشرٍّ عندهم أذنوا{[11698]}

وقوله تعالى : { وحقت } ، قال ابن عباس وابن جبير معناه : وحق لها أن تسمع وتطيع ، ويحتمل أن يريد : وحق لها أن تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى


[11697]:أخرجه البخاري في التوحيد، وفي فضائل القرآن، ومسلم في المسافرين، وأبو داود في الوتر، والترمذي في ثواب القرآن، والنسائي في الافتتاح، والدارمي في الصلاة وفي فضائل القرآن، وأحمد في مسنده (2/271، 285، 450)، ولفظه كما في البخاري عن أبي هريرة، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أذن الله لشيء ما ادن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به)، ولفظه كما في مسند أحمد (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن). ومعنى(أذن): استمع وقبل.
[11698]:هذا البيت قاله قعنب بن أم صاحب، وهو في اللسان، والطبري، والقرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير ومجاز القرآن، والسمط، وقبله يقول قعنب: إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما علموا من صالح دفنوا وهو شاهد على أن (أذن) بمعنى: استمع.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (2)

{ وأذنت } ، أي استمعت ، وفِعل أذِن مشتق من اسم جامد وهو اسم الأُذْن بضم الهمزة آلة السمع في الإِنسان يقال أَذِن له كما يقال : استمع له ، أي أصغى إليه أُذنَهُ .

وهو هنا مجاز مرسل في التأثر لأمر الله التكويني بأن تنشق . وليس هو باستعارة تبعية{[447]} ولا تمثيلية{[448]} .

والتعبير ب « ربها » دون غير ذلك من أسماء الله وطرق تعريفه ، لِمَا يؤذن به وصف الرب من الملك والتدبير .

وجملة : { وحقت } معترضة بين المعطوفة والمعطوف عليه .

والمعنى : وهي محقوقة بأن تَأْذِن لربّها لأنها لا تخرج عن سلطان قدرته وإن عظم سمكها واشتدّ خَلقها وطال زمان رتقها فما ذلك كله إلا من تقدير الله لها ، فهو الذي إذا شاء أزالها .

فمتعلّق { حقّت } محذوف دل عليه فعل : { وأذنت لربها } ، أي وحقت بذلك الانقياد والتأثر يقال : حُقَّ فلان بكذا ، أي توجه عليه حقّ . ولما كان فاعل توجيه الحَق غيرَ واضح تعيينُه غالباً ، كان فهل حُقّ بكذا ، مبنياً للمجهول في الاستعمال ، ومرفوعه بمعنى اسم المفعول ، فيقال : حقيق عليه كذا ، كقوله تعالى : { حقيق على أن لا أقول على اللَّه إلا الحق } [ الأعراف : 105 ] وهو محقوق بكذا ، قال الأعشى :

لمحقُوقه أن تستجيبي لصوته *** وأن تعلمي أن المُعان مُوفقُ

والقول في جملة : { وإذا الأرض مدت } مثل القول في جملة { إذا السماء انشقت } في تقديم المسند إليه على المسند الفعلي .


[447]:- رد على الخفاجي
[448]:- رد على الطيبي وسعدي
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (2)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأذنت لربها وحقت} يقول: انشقت وسمعت لربها وأطاعت، وكان يحق لها ذلك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"وأَذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ "يقول: وسمعت السموات في تصدّعها وتشققها لربها، وأطاعت له في أمره إياها. والعرب تقول: أذِنَ لك في هذا الأمر أذَنا بمعنى: استمع لك، ومنه الخبر الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما أذِنَ اللّهُ لِشَيْءٍ كأذَنِهِ لِنَبِيّ يَتَغَنّى بالقُرآنِ» يعني بذلك: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنى بالقرآن...

وأصل قولهم في الطاعة: سمع له من الاستماع، يقال منه: سمعت لك، بمعنى سمعت قولك وأطعت، فيما قلتَ وأمرت...

وقوله: "وحُقّتْ" يقول: وحَقّق الله عليها الاستماع بالانشقاق، والانتهاء إلى طاعته في ذلك... عن سعيد بن جُبير "وَحُقّتْ": وحُقّ لها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قيل: سمعت لربها، وأطاعت، وأجابت إلى ما دعيت إليه. ثم المراد من الإذن مختلف، فحقه أن يصرف كل شيء إلى ما هو الأولى به. ألا ترى أنك إذا قلت: أذن الرجل لعبده في التجارة، فليست تريد بقولك: أذن ما تريد به إذا أذنت لغيرك أن يتناول من طعامك، بل تريد بالإذن للعبد الأمر بأن يتجر حتى إذا لم يفعل تلزمه على ذلك، وتريد بالآخر إباحة التناول؟ قال الله تعالى: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله} [آل عمران: 145] وقال في موضع آخر: {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} [يونس: 100] فكان المراد من الإذنين مختلفا. فثبت أن حقه أن يحمله إلى ما دعاه إليه أوجه؛ وهو إلى الطاعة والإجابة ههنا أوجه. لذلك حملوه عليه. وقوله عز وجل: {وحقت} أي حق لها أن تسمع، وتطيع.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي قابَلَتْ أمرَ ربِّها بالسمع والطاعة... وحقَّ لها أن تفعل ذلك...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمعنى: أنها فعلت في انقيادها لله حين أراد انشقاقها فعل المطواع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ولم يأب ولم يمتنع، كقوله: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]، {وَحُقَّتْ} من قولك هو محقوق بكذا وحقيق به، يعني: وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع. ومعناه الإيذان بأنّ القادر بالذات يجب أن يتأتى له كل مقدور ويحق ذلك...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ويحتمل أن يريد: وحق لها أن تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وقوله ههنا: {وأذنت لربها} يدل على نفوذ القدرة في التفريق والإعدام والإفناء من غير ممانعة أصلا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وأذنت} أي كانت شديدة الاستماع والطواعية والانقياد على أتم وجه كمن له أذن واعية ونفس مطمئنة راضية {لربها} أي لأمر المخترع لها والمدبر لجميع أمرها، وهي الآن وإن كانت منقادة فانقيادها ظاهر لأكثر الخلق-...

{وحقت} بالبناء للمفعول بمعنى أنها مجبولة على أن ذلك حق عليها- ثابت لها، فهي حقيقة به لأنها مربوبة له سبحانه، وكل مربوب فهو حقيق بالانقياد لربه، وهي لم تزل مطيعة له في ابتدائها وانتهائها، لكن هناك يكون الكشف التام لجميع الأنام...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أما الجديد هنا فهو استسلام السماء لربها؛ ووقوع الحق عليها، وخضوعها لوقع هذا الحق وطاعتها... فإذن السماء لربها: استسلامها وطاعتها لأمره في الانشقاق، (وحقت).. أي وقع عليها الحق. واعترفت بأنها محقوقة لربها. وهو مظهر من مظاهر الخضوع، لأن هذا حق عليها مسلم به منها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

...والتعبير ب « ربها» دون غير ذلك من أسماء الله وطرق تعريفه، لِمَا يؤذن به وصف الرب من الملك والتدبير. وجملة: {وحقت} معترضة بين المعطوفة والمعطوف عليه. والمعنى: وهي محقوقة بأن تَأْذِن لربّها لأنها لا تخرج عن سلطان قدرته وإن عظم سمكها واشتدّ خَلقها وطال زمان رتقها فما ذلك كله إلا من تقدير الله لها، فهو الذي إذا شاء أزالها. فمتعلّق {حقّت} محذوف دل عليه فعل: {وأذنت لربها}، أي وحقت بذلك الانقياد والتأثر يقال: حُقَّ فلان بكذا، أي توجه عليه حقّ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

فلا يتوهم أن السماء بتلك العظمة بإمكانها إظهار أدنى مقاومة لأمر اللّه.. بل ستستجيب لأمر اللّه خاضعة طائعة، لأنّ إرادته سبحانه في خلقه هي الحاكمة، ولا يحق لأي مخلوق أن يعصي أمره جلّ وعلا...

.وفي الآية: كناية عن طاعة أمر الآمر والتسليم له...

وكيف لها لا تسلّم لأمره عزّ وجلّ، وكلّ وجودها وفي كلّ لحظة من فيض لطفه، ولو انقطع عنها بأقل من رمشة عين لتلاشت...

وقيل: يراد ب «حقّت»: إنّ الخوف من القيامة سيجعل السماء تنشق.. ولكنّ التّفسير الأول أنسب...