اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (2)

قوله : { وَأَذِنَتْ } . عطف على «انشقت » ، وقد تقدَّم أنَّه جواب على زيادة الواو .

ومعنى «وأذنت » : أي : استمعت أمره ، يقال : أذنت لك : استمعت لك ، وفي الحديث : «مَا أذِنَ اللهُ لِشَيءٍ كأذنِهِ لِنَبيِّ يَتغنَّى بالقُرْآنِ »{[59652]} .

وأنشد أبو عبيدة والمبرد والزَّجاج قول قعنب : [ البسيط ]

5134- صُمٌّ إذَا سَمِعُوا خَيْرَاً ذُكِرْتُ بِهِ *** وإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عندهُمْ أذِنُوا{[59653]}

وقال آخر : [ البسيط ]

5135- إن يأذنُوا ريبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحَاً *** ومَا هُمُ إذِنُوا من صالحٍ دَفنُوا{[59654]}

وقال الجحاف بن حكيم : [ الطويل ]

5136- إذِنْتُ لَكُمْ لمَّا سَمِعْتُ هَرِيركُمْ*** . . . {[59655]}

ومعنى الاستعارة - هاهنا - أنَّه لم يوجد في جِرْمِ السماء ما يمنع من تأثير قدرة الله تعالى في شقها ، وتفريق أجزائها ، فكأنَّها في قبول ذلك التأثير كالعبدِ الطائع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المالك أنصت ، وأذعن ، ولم يمتنع كقوله تعالى : { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] ، وذلك يدل على نفوذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً . قاله ابن الخطيب{[59656]} .

قوله : «وحُقَّتْ » . الفاعل في الأصل هو الله تعالى ، أي : حقَّ الله عليها ذلك ، أي : بسمعهِ وطاعته ، يقال : هو حقيقٌ بكذا ومحقوق ، والمعنى : وحقَّ لها أن تفعل .

قال الضحاكُ : «حَقَّتْ » أطاعت وحقَّ لها أن تُطِيعَ{[59657]} .

وقال ابن الخطيب{[59658]} : وهو من قولك : محقوقٌ بكذا وحقيقٌ به ، وهي حقيقة بأن تنقاد ، ولا تمتنع .


[59652]:أخرجه البخاري 13/518 في التوحيد: باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن (2544)، ومسلم 1/545، في صلاة المسافرين: باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن (233/792).
[59653]:قائله قعنب ابن أم صاحب من شعراء عصر بني أمية ينظر ديوان الحماسة للتبريزي 2/187، وسمط اللآلىء 1/362، والاقتضاب في شرح أدب الكتاب: ص 292، ومجاز القرآن 2/291، ومعاني القرآن وإعرابه 5/303، والطبري 30/72، واللسان (أذن).
[59654]:تقدم.
[59655]:صدر بيت وعجزه: ... *** فأسمعتموني بالخنا والفواحش. ينظر الكشاف 4/725، والدر المصون 6/497.
[59656]:ينظر: الفخر الرازي 31/94.
[59657]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/505) عن الضحاك ومثله عن السدي ذكره السيوطي ف ي"الدر المنثور" (6/547) وعزاه إلى ابن المنذر.
[59658]:ينظر: الفخر الرازي 31/94.