تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (2)

الآية 2 : وقوله تعالى : { وأذنت لربها وحقت } قيل : سمعت لربها ، وأطاعت ، وأجابت إلى ما دعيت إليه .

ثم المراد من الإذن مختلف ، فحقه أن يصرف كل شيء إلى ما هو الأولى به .

ألا ترى أنك إذا قلت : أذن الرجل لعبده في التجارة ، فليست تريد بقولك : أذن ما تريد به إذا أذنت لغيرك أن يتناول من طعامك ، بل تريد بالإذن للعبد الأمر بأن يتجر حتى إذا{[23338]} لم يفعل تلزمه على ذلك ، وتريد بالآخر إباحة التناول ؟

قال الله تعالى : { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } [ آل عمران : 145 ] وقال في موضع آخر : { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله }[ يونس : 100 ] فكان المراد من الإذنين مختلفا{[23339]} .

فثبت أن حقه أن يحمله إلى ما دعاه إليه أوجه ؛ وهو إلى الطاعة والإجابة ههنا/633 – أ/ أوجه . لذلك حملوه عليه .

وقوله عز وجل : { وحقت } أي حق لها أن تسمع ، وتطيع . وجائز أن تكون الإجابة منصرفة إلى أهلها ، ثم نسب إليها ذلك ، وإن كان المراد منه الأهل كقوله تعالى : { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها } [ الطلاق : 8 ] ولا يوجد من القرية عتو ، وإنما يوجد من أهلها .

فإن كان كذلك ففيه أنه لا يتخلف أحد عن الإجابة إلى ما دعاه إليه الرب تعالى خلافا لما{[23340]} كانوا عليه في الدنيا ؛ فإن كثيرا من أهل الدنيا أعرضوا عن طاعته ، واشتغلوا بمعصيته .

ثم الإجابة والطاعة والطوع والكره ومثل هذه الأوصاف إذا أضيفت إلى من هو من أهل الاختيار فهو على الطوع المعروف والإجابة المعروفة ، وإذا أضيفت إلى من ليس هو من أهل الاختيار فهو على تعيين الهيئة [ على ما هي عليه الخلقة نحو الأرض ، توصف بالحياة إذا أنبتت ، وتوصف بالموت إذا يبس [ ما ]{[23341]} عليها ، وصارت متهشمة ، فيراد بهما أنهما صارتا{[23342]} بهيئة لو وجدت تلك الهيئة ]{[23343]} في الروحانيين لصار أحدهما علما لحياته ، والآخر علما لوفاته ، كقوله{[23344]} تعالى : { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات } [ البقرة : 29 ] وقوله تعالى : { فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } [ فصلت : 11 ] وهما لا يوصفان بطوع ولا كره ؛ خلقتا على هيئة لو وجدت تلك الهيئة في من وصف بالطوع والإكراه كان ذلك منه طوعا . وقول{[23345]} إبراهيم عليه السلام : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس } [ إبراهيم : 36 ] [ وهي ]{[23346]} في الحقيقة لا تضل ، ولكنها أنشئت على هيئة ، لو كانت تملك الإضلال لعد ذلك منها إضلال .


[23338]:في الأصل وم: لو.
[23339]:من م، في الأصل: مختلف.
[23340]:في الأصل وم: على ما.
[23341]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل.
[23342]:في الأصل: صارت.
[23343]:ساقطة من م.
[23344]:في الأصل وم: وقال.
[23345]:في الأصل وم: وقال.
[23346]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.