التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

ثم وبخ - سبحانه - أولئك الذين دافعوا عن الخائنين وجادلوا عنهم بالباطل فقال : { هَا أَنْتُمْ هؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحياة الدنيا فَمَن يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ يَوْمَ القيامة أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } .

أى : ها أنتم أيها المدافعون عن الخائنين كطعمة وأمثاله قد جادلتم عنهم فى الدنيا مبرئين إياهم من الخيانة بدون حق ، فمن ذا الذى يستطيع منكم ان يدافع عنهم أمام الله يوم القيامة ، بل من يكون عليهم يومئذ وكيلا . أى : قائما بتدبير أمورهم ، ومدافعا عنهم ؟ لا شك أنه لن يكون هناك أحد يدافع عنهم يوم القيامة لأن كل إنسان سيجازى بعمله ، ولن ينفعه دفاع المدافعين ، أو جدال المجادلين .

وقوله { هَا } حرف تنبيه . أى المخاطبين على خطئهم فى المجادلة عن السارق ، وقوله { أَنْتُمْ } مبتدأ . وقوله { هؤلاء } منادى بحرف نداء محذوف مبنى على الكسر فى محل نصب . وجملة { جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ } . خبر المبتدأ . وبعضهم أعرب هؤلاء خبر أول . وجعل جملة جادلتهم خبرا ثانيا .

وقوله { جَادَلْتُمْ } من الجدل بمعنى الفتل ومنه رجل مجدول الفتل أى قوى البنية فالجدال معناه تقوية الحجة التى يدافع بها الإِنسان عن نفسه أو عن غيره . وقيل إن الجدال مأخوذ من الجدالة وهى وجه الأرض . فكأن كل واحد من الخصمين يكون كالمضارع الذى يريد أن يلقى صاحبه عليها . ومنه قولهم : تركته مجدلا أى مطروحا على الأرض .

و { أَمْ } فى قوله { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } منقطعة للإِضراب الانتقالى .

والاستفهام إنكارى بمعنى النفى فى الموضعين .

أى لا أحد يجادل عنهم أمام الله - تعالى - ولا أحد يستطيع أن يقوم بتدبير أمورهم يوم القيامة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

ثم قال : { هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ]{[8280]} } أي : هَبْ أن هؤلاء انتصروا في الدنيا بما أبدوه أو أبدى لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظاهر - وهم مُتَعَبدون{[8281]} بذلك - فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي الله ، عز وجل ، الذي يعلم السر وأخفى ؟ ومن ذا الذي يتوكل لهم يومئذ في ترويج دعواهم ؟ أي : لا أحد يكون يومئذ لهم وكيلا ولهذا قال : { أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا }


[8280]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[8281]:في ر، أ: "معبدون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

وقوله تعالى : { ها أنتم هؤلاء } قد تقدمت وجوه القراءات فيه في سورة آل عمران ، والخطاب بهذه الآية للقوم الذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي ، ويندرج طي هذا العموم أهل النازلة ، ويحتمل أن يكون الخطاب لأهل التعصب في هذه النازلة وهو الأظهر عندي بحكم التأكيد ب { هؤلاء } وهي إشارة إلى حاضرين ، وقد تقدم إعراب مثل هذه الآية في سورة آل عمران ، و «والمجادلة » : المدافعة بالقول وهي من فتل الكلام وليه ، إذ الجدل الفتل{[4276]} ، وقوله تعالى : { فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة } وعيد محض ، أي إن الله يعلم حقيقة الأمر فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال ولا غيره ، كما فعلتم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إذ هو بشر يقضي على نحو ما يسمع .


[4276]:- ومنه: رجل مجدول الخلق بمعنى: لطيف محكم الفتل- وقيل: المجادلة من الجدالة، وهي وجه الأرض، فكل واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها، قال العجاج: قد أركب الحالة بعد الحالة وأترك العاجز بالجدالة منعفرا ليس له محالة فالجدالة: الأرض، ومن ذلك قولهم: تركته مجدلا، أي: مطروحا على الجدالة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

قوله { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم } استئناف أثاره قوله : { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } ، والمخاطب كلّ من يصلح للمخاطبة من المسلمين . والكلام جار مجرى الفرض والتقدير ، أو مجرى التعريض ببعض بني ظَفَر الذين جادلوا عن بني أبيرق .

والقول في تركيب { هأنتم هؤلاء } تقدّم في سورة البقرة ( 85 ) عند قوله تعالى : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } وتقدّم نظيره في آل عمران ( 119 ) ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم .

و ( أمْ ) في قوله : { أمَّن يكون عليهم وكيلاً } مُنقطعة للإضراب الانتقالي . و ( مَن ) استفهام مستعمل في الإنكار .

والوكيل مضى الكلام عليه عند قوله تعالى : { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } في سورة آل عمران ( 173 ) .