التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (73)

والمراد بقوله سبحانه : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله . . . . . } كل معبود سوى الله - تعالى - من صنم أو وثن أو غير ذلك من المعبودات الباطلة . والجملة الكريمة داخلة تحت مضمون الاستفهام الإنكاري ، ومعطوفة عليه : وهو قوله - تعالى - : { أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ } ، أي : أن هؤلاء الجاحدين لنعم الله - تعالى - ، بلغ من جهالتهم وسفاهاتهم أنهم يؤمنون بالباطل ، ويكفرون بالحق ، ويعبدون من دون الله - تعالى - أصناما وأوثانا لا تملك لعابدها أي شيء من الرزق ، فهي لا تنزل مطرا من السماء ، ولا تخرج نباتا من الأرض ، ولا تستطيع أن تنفع أو تضر . .

و " ما " في قوله - تعالى - : { مَا لاَ يَمْلِكُ . . } ، كناية عن معبوداتهم الباطلة ، فهي مفردة لفظا ، مجموعة معنى .

والتنكير فى قوله - سبحانه - : { رزقا } ؛ للإشعار بقلته وتفاهته ، وأن معبوداتهم لا تملك لهم أي شيء من الرزق ، حتى ولو كان تافها حقيرا .

وقوله : { شيئا } ، منصوب على المصدر ، أي : ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم ملكا ، أي : شيئا من الملك .

والضمير فى قوله : { ولا يستطيعون } ، يعود إلى { ما } ، وجمع بصيغة العقلاء بناء على زعمهم الفاسد ، من أن هذه الأصنام في إمكانها النفع والضر . وجاءت جملة { ولا يستطيعون } ، بعد قوله - تعالى - : { مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السماوات والأرض . . } ؛ لتأكيد عجز هذه المعبودات عن فعل أي شيء فهي لا تملك شيئا ، وليس في استطاعتها أن تملك ؛ لأنها ليست أهلا لذلك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (73)

يقول تعالى إخبارا عن المشركين الذين عبدوا معه غيره ، مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له ، ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان { مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئًا } ، أي : لا يقدر على إنزال مطر ، ولا إنبات زرع ولا شجر ، ولا يملكون ذلك ، أي : ليس لهم{[16591]} ذلك ، ولا يقدرون عليه لو أرادوه ، ولهذا قال تعالى : { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ } .


[16591]:في ت، ف: "إليهم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (73)

هذه آية تقريع للكفار وتوبيخ ، وإظهار لفساد نظرهم ، ووضع لهم من الأصنام في الجهة التي فيها سعي الناس وإليها هممهم ، وهي : طلب الرزق ، وهذه الأصنام لا تملك إنزال المطر ولا إثبات نعمة ، ومع أنها لا تملك ، لا تستطيع أن تحاول ذلك من ملك الله تعالى ، وقوله { رزقاً } ، مصدر ، ونصبه على المفعول ب { يملك } ، وقوله : { شيئاً } ، ذهب كثير من النحويين إلى أنه منصوب على البدل ، من قوله : { رزقاً } ، و { رزقاً } اسم ، وذهب الكوفيون ، وأبو علي معهم ، إلى أنه : منصوب بالمصدر في قوله : { رزقاً } ، ولا نقدره اسماً ، وهو كقوله تعالى : { ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً }{[7372]} [ المرسلات : 25-26 ] ، ف : { كفاتاً } [ المرسلات : 25 ] ، مصدر منصوب به : { أحياء } [ المرسلات : 26 ] ، ومنه أيضاً في قوله عز وجل : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة }{[7373]} [ البلد : 14-15 ] ، فنصب : { يتيماً } ، [ البلد : 15 ] ب : { إطعام } [ البلد : 14 ] ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

فلولا رجاء النصر منك ورهبة . . . عقابك قد صاروا لنا كالموارد{[7374]}

والمصدر يعمل مضافاً باتفاق ؛ لأنه في تقدير الانفصال ، ولا يعمل إذا دخله الألف واللام ؛ لأنه قد توغل في حال الأسماء ، وبعُد عن حال الفعلية ، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله ، وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشاعر :

ضعيف النكاية أعداءه{[7375]} . . . البيت :

وقوله : عن الضرب مسمعاً{[7376]} ، وقوله : { يملك } ، على لفظ { ما } ، وقوله : { يستطيعون } ، على معناها ، بحسب اعتقاد الكفار في الأصنام أنها تعقل ، ويحتمل أن يكون الضمير في : { يستطيعون } ، للذين يعبدون ، المعنى : لا يستطيعون ذلك ببرهان يظهرونه ، وحجة يثبتونها .


[7372]:الآيتان (25) و (26) من سورة (المرسلات).
[7373]:الآيتان (14) و (15) من سورة (البلد).
[7374]:البيت ذكره ابن يعيش 6 ـ 61. والشاعر يقول: لولا رجاؤنا في نصرك إيانا عليهم، ورهبتنا لعقابك لنا إن انتقمنا منهم بأيدينا نحن لأذللناهم ووطئناهم كما توطأ الموارد، وهي الطرق التي يرد الناس منها إلى الماء، وخصها الشاعر بالذكر لأنها تكون عادة أكثر الطرق استعمالا، وأعمرها بالناس. والشاهد فيه أنه أعمل (رهبة) مع أنها مصدر منون.
[7375]:البيت في خزانة الأدب 3 ـ 439، وشرح الشواهد للعيني، وابن يعيش، وكتاب سيبويه، وأكثر كتب النحو المعروفة، وهو من الأبيات الخمسين التي لم يعرف لها قائل، وهو بتمامه: ضعيف النكاية أعــــــــــــــداءه يخال الفرار يراخــــــــــــي الأجــــــل والنكاية: مصدر نكيت العدو، ونكيت فيه إذا أثرت، يتعدى ولا يتعدى، قال أبو النجم: نحن منعنا واديي لصافـــــــــــا ننكي العدى ونكرم الأضيافا ويراخي الأجل: يبعده ويطيله، والشاعر يهجو رجلا ويصفه بأنه ضعيف لا يستطيع أن يؤثر في أعدائه، وهو جبان لا يثبت في المعركة بل يفر ظنا منه أن الفرار يطيل في عمره ويبعد أجله، والشاهد فيه إعمال المصدر المعرف بالألف واللام وهو (النكاية)؛ لأن اللام هنا معاقبة للتنوين، فهو يعمل عمل المنون.
[7376]:هذا جزء من بيت الشنتمري إلى المرار الأسدي، ونسبه في الخزانة وابن يعيش إلى مالك بن زغبة الباهلي، وهو مذكور و مشروح أيضا في شواهد العيني، والبيت بتمامه: لقد علمت أولى المغيرة أنني لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا والمغيرة: الخيل التي تخرج للغارة، وأولى المغيرة: أول هذه الخيل، والمراد فرسانها، والنكول: النكوص والرجوع خوفا وجبنا، يقال: نكل عنه ينكل (كضرب ونصر وعلم) نكولا، ومسمع (بكسر الميم) هو مسمع بن شيبان، من بني قيس بن ثعلبة، يقول: لقد علم أوائل المغيرين من الفرسان أني لقيتهم وهزمتهم ولحقت قائدهم وفارسهم فلم أتراجع عن ضربه بسيفي، وقد روي: (لقيت) بدلا من (لحقت)، وروي أيضا (كررت)، و الشاهد فيه إعمال المصدر المقرون بالألف واللام وهو (الضرب) في (مسمعا) ـ والبيت يحتمل أن يكون من باب التنازع بإعمال (لحقت) في (مسمعا)، وعلى هذا الاحتمال لا شاهد فيه.