التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الصافات

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة الصافات هي السورة السابعة والثلاثون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها كما ذكر صاحب الإتقان –بعد سورة " الأنعام " ( {[1]} ) .

ومعنى ذلك أن نزولها كان في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة ، لأننا قد سبق لنا أن قلنا عند تفسيرنا لسورة الأنعام ، أنه يغلب على الظن أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة( {[2]} ) .

2- قال الآلوسي : هي مكية ولم يحكوا في ذلك خلافا . وهي مائة وإحدى وثمانون آية عند البصريين ، ومائة واثنتان وثمانون آية عند غيرهم( {[3]} ) .

وتعتبر هذه السورة –من حيث عدد الآيات- السورة الثالثة من بين السور المكية ، ولا يفوقها في ذلك سوى سورتي الأعراف والشعراء .

3- وسميت بهذا الاسم لافتتاحها بقوله –تعالى- : [ والصافات صفا ] . وقد سماها بعض العلماء بسورة " الذبيح " ، وذلك لأن قصة الذبيح لم تأت في سور أخرى سواها .

4- وقد افتتحت سورة " الصافات " بقسم من الله –تعالى- بجماعات من خلقه على أن الألوهية والربوبية الحقة إنما هي لله –تعالى- وحده ، ثم أقام –سبحانه- بعد ذلك ألوانا من الأدلة على صدق هذه القضية ، منها خلقه للسموات والأرض وما بينهما ، ومنها تزيينه لسماء الدنيا بالكواكب .

قال –تعالى- : [ والصافات صفا فالزاجرات زجرا . فالتاليات ذكرا . إن إلهكم لواحد . رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق . إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب . وحفظا من كل شيطان مارد ] .

5- ثم حكى –سبحانه- بعض الشبهات التي تذرع بها المشركون في إنكارهم للبعث والحساب ، ورد عليها بما يمحقها ، فقال –تعالى- : [ وقالوا إن هذا إلا سحر مبين . أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون . أو آباؤنا الأولون . قل نعم وأنتم داخرون . فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون ] .

6- وبعد أن بين –سبحانه- سوء عاقبة هؤلاء المشركين ، وتوبيخ الملائكة لهم ، وإقبال بعضهم على بعض للتساؤل والتخاصم . . بعد كل ذلك بين –سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين ، فقال –تعالى- [ وما تجزون إلا ما كنتم تعملون : إلا عباد الله المخلصين . أولئك لهم رزق معلوم . فواكه وهم مكرمون . في جنات النعيم . على سرر متقابلين . يطاف عليهم بكأس من معين . بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ] .

7- ثم حكى –سبحانه- جانبا من المحاورات التي تدور بين أهل الجنة وأهل النار ، وكيف أن أهل الجنة يتوجهون بالحمد والشكر لخالقهم ، حيث أنعم عليهم بنعمة الإيمان ، ولم يجعلهم من أهل النار الذين يأكلون من شجرة الزقوم .

قال –تعالى- : [ إن هذا لهو الفوز العظيم . لمثل هذا فليعمل العاملون . أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم . إنا جعلناها فتنة للظالمين . إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، طلعها كأنه رءوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ] .

8- ثم ساق –سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة نوح مع قومه ، ومن قصة إبراهيم مع قومه . ومع ابنه إسماعيل – عليهما السلام .

ومن قصة موسى وهارون وإلياس ولوط ويونس –عليهم الصلاة والسلام- .

9- ثم أخذت السورة الكريمة –في أواخرها- في توبيخ المشركين الذين جعلوا بين الله –سبحانه- وبين الملائكة نسبا ، ونزه –سبحانه- ذاته عن ذلك ، وهدد أولئك الكافرين بأشد ألوان العذاب بسبب كفرهم وأقوالهم الباطلة .

وبين بأن عباده المؤمنين هم المنصورون ، وختم –سبحانه- السورة الكريمة بقوله : [ سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين ] .

10- والمتأمل في هذه السورة الله –تعالى- ، وعلى أن البعث حق ، وعلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه ، وذلك لكي تغرس العقيدة السليمة في النفوس . . كما يراها تهتم بحكاية أقوال المشركين وشبهاتهم . . ثم ترد على تلك الأقوال والشبهات بما يزهقها ويبطلها .

كما يراها –كذلك- تسوق ألوانا من المحاورات التي تدور بين المشركين فيما بينهم عندما يحيط بهم العذاب يوم القيامة ، وألوانا من المحاورات التي تدور بينهم وبين أهل الجنة الذين نجاهم الله –تعالى- من النار وسعيرها .

كل يراها –أيضا- تسوق لنا نماذج من قصص الأنبياء مع أقوامهم ، تارة بشيء من التفصيل كما في قصة إبراهيم مع قومه ، وتارة بشيء من التركيز والإجمال كما في بقية قصص الأنبياء الذين ورد الحديث عنهم فيها .

وتمتاز بعرضها للمعاني والأحداث بأسلوب مؤثر . ترى فيه قصر الفواصل وكثرة المشاهد ، والمواقف . مما يجعل القارئ لآياتها في شوق إلى ما تسوقه من نتائج .

نسأل الله –تعالى- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وأنس نفوسنا .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

كتبه الراجي عفو ربه

د . محمد سيد طنطاوي

القاهرة – مدينة نصر

مساء الجمعة 8 من ذي القعدة سنة 1405ه

26 / 7 / 1985 .

الواو فى قوله - تعالى - : { والصافات } للقسم . وجوابه قوله : { إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ }

و { الصافات } من الصف ، وهو أن تجعل الشئ على خط مستقيم . تقول : صففت القوم فاصطفوا ، إذا أقمتهم على خط مستقيم . سواء أكانوا فى الصلاة ، أم فى الحرب ، أم فى غير ذلك .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
[3]:- سورة المائدة: الآيتان 15، 16.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

[ وهي ]{[1]} مكية .

قال النسائي : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، حدثنا خالد - يعني ابن الحارث - عن ابن أبي ذئب قال : أخبرني بن عبد الرحمن ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا{[2]} بالتخفيف ، ويؤمنا بالصافات . تفرد به النسائي{[3]} .

بسم الله الرحمن الرحيم

1

قال قتادة : الملائكة صفوف في السماء .

وقال{[24910]} مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَة ، حدثنا محمد بن فُضَيْل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن رِبْعِيّ ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فُضِّلنا على الناس بثلاث : جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا{[24911]} وجُعلت لنا تُربتها{[24912]} طهورًا إذا لم نجد الماء »{[24913]} .

وقد روى مسلم أيضًا ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث الأعمش ، عن المُسَيَّب بن رافع ، عن تميم بن طَرَفة ، عن جابر بن سَمُرَة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تَصُفّون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ " قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " يُتِمون الصفوف المتقدمة ويَتَراصون في الصف " {[24914]} .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[24910]:- في ت: "وروى".
[24911]:- في س: "مسجدا وطهورا".
[24912]:- في ت، س: "تربتها لنا".
[24913]:- صحيح مسلم برقم (522).
[24914]:- صحيح مسلم برقم (430) وسنن أبي داود برقم (661) وسنن النسائي (2/92) وسنن ابن ماجه برقم (922).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصافات مكية

هي مكية ، وعددها في المدني والشامي والكوفي مائة آية وآيتان وثمانون آية .

بسم الله الرحمان الرحيم

أقسم تعالى في هذه الآية بأشياء من مخلوقاته واختلف الناس في معناها ، فقال ابن مسعود ومسروق وقتادة : هي الملائكة التي تصف في السماء في عبادة الله وذكره صفوفاً وقالت فرقة : أراد كل من يصف من بني آدم في قتال في سبيل الله ، أو في صلاة وطاعة ، والتقدير والجماعات الصافات .

قال القاضي أبو محمد : واللفظ يحتمل أن يعم هذه المذكورات كلها .