التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} (67)

وبعد هذا الحديث عن جانب عن قصة موسى ، وعن جانب من قصة عيسى - عليهما السلام - ، وعن موقف أقوامها منهما . . بعد كل ذلك رسمت السورة الكريمة صورة واضحة لحسن عاقبة المؤمنين ، ولسوء عاقبة المكذبين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حى عن بينة ، فقال - تعالى - : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ . . . وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } .

وقوله - تعالى - : { الأخلاء } جمع خليل بمعنى صديق . وسمى الأصدقاء أخلاء ، لأن المودة التى بينهم تخللت قلوبهم واختلطت بنفوسهم .

أى : الأصدقاء فى الدنيا ، يصير بعضهم لبعض يوم القيامة أعداء ، لأنهم كانوا يجتمعون على الشرور والآثام فى الدنيا ، وكانوا يتواصون بالبقاء على الكفر والفسوق والعصيان فلما جاء يوم القيامة ، وانكشفت الحقائق . . انقلبت صداقتهم إلى عداوة .

{ إِلاَّ المتقين } فإن صداقتهم فى الدنيا تنفعهم فى الآخرة ، لأنهم أقاموها على الإِيمان والعمل الصالح والطاعة لله رب العالمين .

فالآية الكريمة إنذار للكافرين الذين كانت صداقاتهم فى الدنيا تقوم على محاربة الحق ، ومناصرة الباطل . . . وبشارة عظيمة للمتقين الذين بنوا صداقتهم فى الدنيا على طاعة الله - عالى - ونصرة دينه ، والعمل بشريعته .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} (67)

وقوله : { الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ } أي : كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله ، عز وجل ، فإنه دائم بدوامه . وهذا كما قال إبراهيم ، عليه السلام ، لقومه : { إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث{[26118]} ، عن علي ، رضي الله

عنه : { الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ } قال : خليلان مؤمنان ، وخليلان كافران ، فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة فذكر خليله ، فقال : اللهم ، إن فلانا خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، وينبئني أني ملاقيك ، اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وترضى عنه كما رضيت عني . فيقال له : اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا وبكيت قليلا . قال : ثم يموت الآخر ، فتجتمع أرواحهما ، فيقال : ليثن أحدكما{[26119]} على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : نعم الأخ ، ونعم الصاحب ، ونعم الخليل . وإذا مات أحد الكافرين ، وبشر بالنار ذكر خليله فيقول : اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وتسخط عليه كما {[26120]} سخطت علي . قال : فيموت الكافر الآخر ، فيجمع بين أرواحهما فيقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه . فيقول كل واحد منهما لصاحبه : بئس الأخ ، وبئس الصاحب ، وبئس الخليل . رواه ابن أبي حاتم {[26121]} .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين .

وروى الحافظ ابن عساكر - في ترجمة هشام بن أحمد - عن هشام بن عبد الله بن كثير : حدثنا أبو جعفر محمد بن الخضر بالرقة ، عن معافي : حدثنا حكيم بن نافع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن رجلين تحابا في الله ، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ، لجمع الله بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي أحببته في " {[26122]} .


[26118]:- (2) في ت: "وروى ابن أبي حاتم عن علي".
[26119]:- (1) في أ: "أحدهما".
[26120]:- (2) في ت: "مثل ما".
[26121]:- (3) تفسير عبد الرزاق (2/164).
[26122]:- (4) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (27/79).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} (67)

ثم صرف تعالى بعض حال القيامة ، وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى ، لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله ، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض ، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه .