التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

ثم بين - سبحانه - بعد هذه الهداية ، ما أعده لفريق الكافرين ، وما أعده لفريق الشاكرين ، فقال - تعالى - :

{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ . . . } .

قوله - سبحانه - : { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ . . } كلام مستأنف لبيان جزاء الكافرين بعد أن تطلعت إليه النفس ، بعد سماعها لقوله - تعالى - : { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } وابتداء - سبحانه - بذكر جزاء الكافر ، لأن ذكره هو الأقرب ولأن الغرض بيان جزائه على سبيل الإِجمال ، ثم تفصيل القول بعد ذلك فى بيان جزاء المؤمنين .

والسلاسل : جمع سلسلة ، وهى القيود المصنوعة من الحديد والتى يقيد بها المجرمون . وقد قرأ بعض القراء السبعة هذا اللفظ بالتنوين ، وقرأه آخرون بدون تنوين .

والأغلال : جمع غل - بضم الغين - وهو القيد الذى يقيد به المذنب ويكون فى عنقه ، قال - تعالى - : { إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ . فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ } والمعنى : إنا أعتدنا وهيأنا للكافرين سلاسل يقادون بها ، وأغلالا تجمع بها أيديهم إلى أعناقهم على سبيل الإِذلال لهم ، وهيأنا لهم - فوق ذلك - ناراً شديدة الاشتعال تحرق بها أجسادهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير ، وهو اللهب والحريق في نار جهنم ، كما قال : { إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } [ غافر : 71 ، 72 ] .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

إنا اعتدنا للكافرين سلاسل بها يقادون وأغلالا بها يقيدون وسعيرا بها يحرقون وتقديم وعيدهم وقد تأخر ذكرهم لإن الإنذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين أحسن وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر سلاسلا للمناسبة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

و { أعتدنا } معناه أعددناه ، وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم «سلاسلاً » بالصرف وهذا على ما حكاه الأخفش من لغة من يصرف كل ما يصرف إلا أفعل{[11498]} وهي لغة الشعراء .

ثم كثر حتى جرى في كلامهم ، وقد علل بعلة وهي أنه لما كان هذا الضرب من الجموع يجمع لشبه الآحاد فصرف ، وذلك من شبه الآحاد موجود في قولهم صواحب وصاحبات وفي قول الشاعر [ الفرزدق ] : [ الكامل ]

نواكسي الأبصار{[11499]}*** بالياء جمع نواكس ، وهذا الأجراء في «سلاسلاً وقواريراً » أثبت في مصحف ابن مسعود ومصحف أبيّ بن كعب ومصحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة{[11500]} ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة «سلاسلَ » ، على ترك الصرف في الوقف والوصل ، وهي قراءة طلحة وعمرو بن عبيد ، وقرأ أبو عمرو وحمزة فيما روي عنهما : «سلاسل » في الوصل و «سلاسلاً » دون تنوين في الوقف ، ورواه هشام عن ابن عامر لأن العرب من يقول رأيت عمراً يقف بألف ، وأيضاً فالوقوف ، بالأف «سلاسلا » اتباع لخط المصحف .


[11498]:يريد : "إلا أفعل منك"، لأنه لا يوجد في العرب من يقول مثلا: "أنا أكرم منك" بالتنوين، والسبب أن "من" تقوم مقام الإضافة، ولا يجمع بين تنوين وإضافة في حرف، لأنهما دليلان من دلائل الأسماء ولا يجمع بين دليلين، قال ذلك الفراء.
[11499]:هاتان الكلمتان قالهما الفرزدق في بيت من الشعر من قصيدة يمدح بها آل المهلب، وخص من بينهم "يزيد" ابنه، والبيت هو: وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس الأبصار وخضع: جمع خضوع مبالغة في خاضع، وهو المتواضع المتطامن، وقد يضبط بسكون الضاد فيقال: خضع، وهو جمع أخضع كأبيض، وهو الذي في عنقه تطامن طبيعي لأنه خلق هكذا، ومعنى نواكس أنهم ينكسون أبصارهم عند رؤيته هيبة وإجلالا له، يقال: "نكس رأسه" إذا طأطأه من الذل، ونواكس جمع ناكس، وهو جمع شاذ، لأن "ناكس" صفة للعاقل، ولا يجمع "فاعل" على "فواعل" إلا إذا كان لغير العاقل، وقد اضطر الفرزدق لذلك لأنه يجوز لك أن تقول: هي الرجل كما تقول: هي الجمال، فشبه الرجال بالجمال، أما رواية البيت "نواكسي" بالياء فلأن الشاعر رد النواكس إلى الرجال، فكأن أصل الكلام: وإذا الرجال رأيتهم نواكس أبصارهم، فكأن النواكس للأبصار فنقلت إلى الرجال فدخلت الياء، وهذا هو موضع الاستشهاد هنا، وفي البيت كلام كثير، راجع كتب النحو، والكتاب لسيبويه، ولسان العرب.
[11500]:يعني أن التنوين في [سلاسلا] و [قواريرا] ثبت في هذه المصاحف، وهذه حجة لمن قرأ بالتنوين، فهو يتبع المصاحف، وهناك حجة ثانية هي أن [قواريرا] الأول نون لأنه رأس آية، وكل رءوس الآيات جاءت منونة، مثل (مذكورا، سميعا بصيرا). ونون [قواريرا] الثاني على الجوار للأول، وهاتان الحجتان غير ما ذكره ابن عطية من أن هذه الجموع أشبهت الآحاد فجمعت جمع الآحاد. وأيضا فإنه قد أشار إلى اتباع خط المصاحف، وأما من ترك التنوين فيهما فقد أتي بمحض قياس العربية ، قاله ابن خالويه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

أريد التخلص إلى جزاء الفريقين الشاكر والكفور .

والجملة مُستأنفة استئنافاً بيانياً لأن قوله : { إمّا شاكراً وإمّا كفوراً } [ الإنسان : 3 ] يثير تطلع السامعين إلى معرفة آثار هذين الحالين المترددِ حالُه بينَهما ، فابتدىء بجزاء الكافر لأن ذكره أقرب .

وأكد الخبر عن الوعيد بحرف التأكيد لإِدخال الروْع عليهم لأن المتوعِّد إذا أكَّد كلامه بمؤكِّد فقد آذن بأنه لا هوادة له في وعيده .

وأصل { أعتَدْنا } أعدَدنا ، بدالين ، أي هيأنا للكافرين ، يقال : اعتدّ كما يقال : أعَدَّ ، قال تعالى : { وَأعَتدتْ لهن متّكَأً } [ يوسف : 31 ] .

وقد تردد أيمة اللغة في أن أصل الفعل بدالين أو بتاء ودال فلم يجزموا بأيهما الأصل لكثرة ورود فعل : أعدّ ، وفعل اعْتَدَّ في الكلام والأظهر أنهما فعلان نشآ من لغتين غير أن الاستعمال خصّ الفعل ذا التاء بعُدة الحرب فقالوا : عَتَاد الحرب ولم يقولوا عدَاد .

وأما العُدة بضم العين فتقع على كل ما يعد ويهيأ ، يقال : أعد لكل حال عُدة . ويطلق العَتاد على ما يُعدّ من الأمور .

والأكثر أنه إذا أريد الإِدغام جيء بالفعل الذي عينه دال وإذا وجد مقتضى فك الإِدغام لموجب مثل ضمير المتكلم جيء بالفعل الذي عينه تاء .

والسلاسل : القيود المصنوعة من حَلق الحديد يقيد بها الجناة والأسرى .

والأغلال : جمع غُلّ بضم الغين ، وهو حلقة كبيرة من حديد توضع في رقبة المقيَّد ، وتناط بها السلسلة قال تعالى : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } [ غافر : 71 ] فالأغلال والسلاسل توضع لهم عند سَوْقهم إلى جهنم .

والسعير : النار المسعرة ، أي التي سعَّرها الموقِدون بزيادة الوَقود ليشتد التهابها فهو في الأصل وصف بمعنى اسم المفعول جعل علماً على جهنم . وقد تقدم عند قوله : { كلَّما خبَتْ زدناهم سعيراً } في سورة الإسراء ( 97 ) .

وكتب { سلاسلا } في المصحف الإِمامِ في جميع النسخ التي أرسلت إلى الأمصار بألف بعد اللام الثانية ولكن القراء اختلفوا في قراءته ، فنافع والكسائي وهشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر قرأوا { سَلاسلاً } منوناً في الوصل ووقفوا عليه كما يوقف على المنون المنصوب ، وإذ كان حقه أن يمنع من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجمع تعين أن قراءته بالتنوين لمراعاة مزاوجته مع الاسمين اللذيْن بعده وهما { أغلالاً } و { سعيراً } ، والمزاوجة طريقة في فصيح الكلام ، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم لنساءٍ " ارجِعْنَ مَأزورات غير مأجورات " فجعل « مأزورات » مهموزاً وحقه أن يكون بالواو لكنه هُمز لمزاوجة مأجورات ، وكذلك قوله في حديث سؤال الملكين الكافر « فيقال له : لاَ درَيْت ولا تلَيْت » ، وكان الأصل أن يقال : ولا تَلوت . ومنه قول ابن مُقْبِل أو القَلاَّحُ :

هتَّاكُ أخْبيَةٍ وَلاَّجُ أبْوِبَةٍ *** يُخَالطُ البِرُّ منه الجِدَّ واللِّينا

فقوله ( أبوبة ) جمع باب وحقه أن يَقول أبواب .

وهذه القراءة متينة يعضدها رسم المصحف وهي جارية على طريقة عربية فصيحة .

وقرأه الباقون بدون تنوين في الوصل .

واختلفوا في قراءته إذا وقفوا عليه فأكثرهم قرأه في الوقف بدون ألف فيقول { سلاسلْ } في الوقف . وقرأه أبو عمرو ورويس عن يعقوب بالألف على اعتباره منوناً في الوصل .

قرأه البَزي عن ابن كثير وابنُ ذكوان عن ابن عامر وحفصٌ عن عاصم في الوقف بجواز الوجهين بالألف وبتركها .

فأما الذين لم ينونوا { سلاسلا } في الوصل ووقفوا عليه بألف بعد لامه الثانية . وهما أبو عمرو ورويس عن يعقوب فمخالفة روايتهم لرسم المصحف محمولة على أن الرسم جرى على اعتبار حالة الوقف وذلك كثير فكتابة الألف بعد اللام لقصد التنبيه على إشباع الفتحة عند الوقف لمزاوجة الفواصل في الوقف لأن الفواصل كثيراً ما تعطى أحكام القوافي والأسجاع .

وبعدُ فالقراءات روايات مسموعة ورسم المصحف سُنة مَخصوصة به وذكر الطيبي : أن بعض العلماء اعتذر عن اختلاف القراء في قوله : { سَلاسلا } بأنه من الاختلاف في كيفية الأداء كالمَدّ والإِمالة وتخفيف الهمزة وأن الاختلاف في ذلك لا ينافي التواتر .