التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

هذا وقد عقب القرآن بعد إيراه لتلك الرذائل بقوله .

{ قَدْ خَسِرَ الذين قتلوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله افترآء عَلَى الله } .

قال الإمام ابن كثير : قد خسر الذين فعلوا هذه الأفاعيل فى الدنيا والآخرة ، أما فى الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم ، وضيقوا على أنفسهم فى أموالهم ، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم . وأما فى الآخرة فيصيرون إلى أسوأ المنازل بكذبهم على الله وافترائهم " .

والتعبير بخسر بدون ذكر مفعول معين يقع عليه الفعل للإشارة إلى أن خسارتهم خسارة مطلقة من أى تحديد ، فهى خسارة دينية وخسارة دنيوية - كما قال ابن كثير .

وقرأ ابن عامر { قتلوا } بالتشديد . أى : فعلوا ذلك كثيراً ، إذ التضعيف يفيد التكثير .

و { سَفَهاً } منصوب على أنه على لقتلوا أى : لخفة عقولهم وجهلهم قتلوا أولادهم . أو منصوب على أنه حال من الفاعل فى قتلوا وهو ضمير الجماعة .

والسفه : خفة فى النفس لنقصان العقل فى أمور الدنيا أو الدين .

وقوله { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله } أى من البحائر والسوائب ونحوهما ، وهو معطوف على { قتلوا } .

ثم بين - سبحانه - نتيجة ذلك القتل والتحريم فقال : { قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } أى : قد ضلوا عن الصراط المستقيم بأقوالهم وأفعالهم القبيحة وما كانوا مهتدين إلى الحق والصواب .

قال الشهب ، وفى قوله { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } بعد قوله { قَدْ ضَلُّواْ } مبالغة فى نفى الهداية عنهم ، لأن صيغة الفعل تقتضى حدوث الضلال بعد أن لم يكن . فلذا أردف بهذه الحال لبيان عراقتهم فى الضلال ، وإنما ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض " .

روى البخارى عن ابن عباس قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام { قَدْ خَسِرَ الذين قتلوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله افترآء عَلَى الله قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

يقول تعالى : قد خسر الذين فعلوا هذه الأفعال{[11262]} في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم ، وضيقوا عليهم في أموالهم ، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم ، وأما في الآخرة فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [ يونس : 69 ، 70 ] .

وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه في تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا أبو عَوَانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما{[11263]} قال : إذا سَرَّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام ، { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }

وهكذا رواه البخاري منفردًا في كتاب " مناقب قريش " من صحيحه ، عن أبي النعمان محمد بن الفضل عارم ، عن أبي عوَانة - واسمه الوَضَّاح بن عبد الله اليَشْكُرِي - عن أبي بشر - واسمه جعفر بن أبي وَحْشِيَّة بن إياس ، به{[11264]} .


[11262]:في م: "صنعوا هذه الأفاعيل
[11263]:في م: "عنه".
[11264]:صحيح البخاري برقم (3524).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

{ قد خسر الذين قتلوا أولادهم } يريد بهم العرب الذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي والفقر . وقرأ ابن كثير وابن عامر { قتلوا } بالتشديد بمعنى التكثير . { سفها بغير علم } لخفة عقلهم وجهلهم بأن الله سبحانه وتعالى رازق أولادهم لا هم ، ويجوز نصبه على الحال أو المصدر . { وحرموا ما رزقهم الله } من البحائر ونحوها . { افتراء على الله } يحتمل الوجوه المذكورة في مثله . { قد ضلوا وما كانوا مهتدين } إلى الحق والصواب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

هذا لفظ يتضمن التشنيع بقبح فعلهم والتعجب من سوء حالهم في وأدهم البنات وحجرهم الأنعام والحرث ، وقال عكرمة : وكان الوأد في ربيعة ومضر .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وكان جمهور العرب لا يفعله ، ثم إن فاعليه كان منهم من يفعله خوف العيلة والاقتار ، وكان منهم من يفعله غيرة مخافة السباء ، وقرأ ابن عامر وابن كثير : «قتّلوا » بتشديد التاء على المبالغة وقرأ الباقون : «قتلوا » بتخفيفها و { ما رزقهم الله } : هي تلك الأنعام والغلات التي توقف بغير شرع ولا مثوبة في معاد بل بالافتراء على الله والكذب و { قد ضلوا } إخباراً عنهم بالحيرة وهو من التعجب بمنزلة قوله { قد خسر } ، { وما كانوا } يريد في هذه الفعلة ويحتمل أن يريد : وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعلة مهتدين لكنهم زادوا بهذه الفعلة ضلالاً .