التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (28)

ثم بين - سبحانه - وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم ورد على شبهات المشركين فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً . . . وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } .

قال الآلوسى : المتبادر أن { كَآفَّةً } حال من الناس ، قدم " إلا " عليه للاهتمام ؛ وأصله من الكف بمعنى المنع ، وأريد به العموم لما فيه من المنع من الخروج ، واشتهر فى ذلك حتى قطع فيه النظر عن معنى المنع بالكلية . فمعنى جاء الناس كافة : جاءوا جميعا :

قال ابن عباس : أرسل الله - تعالى - محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم ، فأكرمهم على الله - تعالى - أطوعهم له . .

أى : وما أرسلناك - أيها الرسول الكريم - إلا إلى الناس جميعا ، لتبشر المؤمن منهم بحسن الثواب ، وتنذر من أعرض عن الحق الذى جئت به بسوء العقاب . { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } هذه الحقيقة ، وهى عموم رسالتك وكونك بشيرا ونذيرا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (28)

يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه{[24340]} : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ{[24341]} } : أي : إلا إلى جميع الخلق من المكلفين ، كقوله{[24342]} تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] ، { تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [ الفرقان : 1 ] . { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } أي تبشر{[24343]} مَنْ أطاعك بالجنة ، وتنذر مَنْ عصاك بالنار .

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } ، كقوله{[24344]} تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] ، { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] .

قال محمد بن كعب في قوله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ } يعني : إلى الناس عامة .

وقال قتادة في هذه الآية : أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم ، فأكرمُهم على الله أطوعهم لله عز وجل .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الظهراني ، حدثنا حفص بن عمر العَدَني ، حدثنا الحكم - يعني : ابن أبان{[24345]} - عن عِكْرِمة قال : سمعت ابن عباس يقول : إن الله فضل محمدًا صلى الله عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء . قالوا : يا بن عباس ، فيم فضله الله{[24346]} على الأنبياء ؟ قال : إن الله قال : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ } ، فأرسله الله إلى الجن والإنس .

وهذا الذي قاله ابن عباس قد ثبت في الصحيحين رَفْعهُ عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر . وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل . وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي . وأعطيت الشفاعة . وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة " . {[24347]}

وفي الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت إلى الأسود والأحمر " {[24348]} : قال مجاهد . يعني : الجن والإنس . وقال غيره : يعني : العرب والعجم . والكل صحيح .


[24340]:- في ت: "صلى الله عليه وسلم".
[24341]:- في ت: "للناس بشيرا".
[24342]:- في ت ، س: "لقوله".
[24343]:- في س: "يبشر".
[24344]:- في ت ، س: "لقوله".
[24345]:- في ت: "روى ابن أبي حاتم بإسناده".
[24346]:- في ت ، س: "فما فضله".
[24347]:- صحيح البخاري برقم (335) وصحيح مسلم برقم (521).
[24348]:- وهو قطعة من حديث جابر السابق عند مسلم في صحيحه برقم (521).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (28)

{ وما أرسلناك إلا كافة للناس } إلا إرسالة عامة لهم من الكف إنها إذا عمتهم قد كفتهم أن يخرج منها أحد مهم ، أو إلا جامعا لهم في الإبلاغ فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ، ولا يجوز جعلها حالا من الناس على المختار . { بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون } فيحملهم جهلهم على مخالفتك .