فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (28)

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ } في انتصاب كافة وجوه : فقيل : إنه منتصب على الحال من الكاف في أرسلناك قال الزجاج ، أي وما أرسلناك إلا جامعا للناس بالإنذار والإبلاغ والكافة بمعنى الجامع ، والهاء فيه للمبالغة ، كعلامة . قال أبو حيان : إن اللغة لا تساعد عليه لأن كف ليس معناه جمع بل معناه منع ، يقال كف يكف أي منع يمنع والمعنى إلا مانعا لهم من الكفر ، ومنه الكف لأنه يمنع من خروج ما فيه ، وقيل إنه منتصب على المصدرية ، والهاء للمبالغة كالعاقبة والعافية ، والمراد أنها صفة مصدر محذوف أي إلا رسالة كافة ، وقيل إنه حال من الناس ، والتقدير { وما أرسلناك إلا للناس كافة } ، ورد بأنه لا يتقدم الحال من المجرور عليه كما هو مقرر في علم الإعراب ، ويجاب عنه بأنه قد جوز ذلك أبو علي الفارسي وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون ، وممن رجح كونها حالا من المجرور بعدها ابن عطية وقال : قدمت للاهتمام والتقوى ورده الزمخشري وقال خطأ ، وقال المحلي ، بل هو الصحيح ، وقيل المعنى إلا ذا كافة أي ذا منع فحذف المضاف ، قيل : اللام في للناس بمعنى إلى أي ما أرسلناك إلى الناس إلا جامعا لهم بالإنذار والإبلاغ أو مانعا لهم من الكفر والمعاصي .

عن قتادة قال : أرسل الله محمدا إلى العرب والعجم فأكرمهم على الله أطوعهم له وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل قبلي وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) أخرجه البخاري ومسلم . وفيه اختصاصه بالرسالة العامة لكافة الخلق الإنس والجن وهذه درجة خص بها دون سائر الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام .

{ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } حال أي مبشرا لهم بالجنة أو بالفضل لمن أقر ومنذرا لهم من النار أو بالعدل لمن أصر { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } ما عند الله وما لهم من النفع في إرسال الرسل فيحملهم جهلهم على مخالفتك .