ثم ختم - سبحانه الآيات الكريمة بأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى أعدائه . فقال : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ . . } .
أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - من أننا سننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد . . } فاصبر على ما أصابك من أعدائك ، فإن ما وعدك الله - تعالى - به من النصر ثابت لا شك فيه ، وحق لا باطل معه .
{ واستغفر لِذَنبِكَ } فإن استغفارك هذا وأنت المصعوم من كل ما يغضبنا - يجعل أمتك تقتدى بك فى ذلك ، وتسير على نهجك فى الإكثار من فعل الطاعات .
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار } أى : وبجانب استغفارك من الذنوب ، أكثر من تسبيح ربك ومن تنزيهه عن كل مالا يليق به عند حلول الليل ، وعند تباكير الصباح ، فإن هذا الاستغفار ، وذلك التسبيح ، خير زاد للوصول إلى السعادة والفوز فى الدنيا والآخرة .
قال الإمام الرازى ما ملخصه : واعلم أن مجامع الطاعات محصورة فى قسمين : التوبة عما لا ينبغى ، والاشتغال بما ينبغى ، والأول مقدم على الثانى بحسب الرتبة الذاتية . فوجب أن يكون مقدما عليه فى الذكر . .
أما التوبة عما لا ينبغى ، فنراها فى قوله - تعالى - : { واستغفر لِذَنبِكَ } .
وأما الاشتغال بما ينبغى ، فنراه فى قوله - تعالى - { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار } .
والتسبيح عبارة عن تنزيه الله - تعالى - عن كل ما لا يليق به ، والعشى والإبكار ، قيل صلاة العصر وصلاة الفجر . وقيل : الإِبكار عبارة عن أول النهار إلى النصف . والعشى عبارة عن النصف إلى آخر النهار ، فيدخل فيه كل الأوقات ، وبالجملة فالمراد منه المواظبة على ذكر الله . وأن لا يفتر اللسان عنه . .
وقوله : { فَاصْبِرْ } أي : يا محمد ، { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ } أي : وعدناك أنا سنعلي كلمتك ، ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك ، والله لا يخلف الميعاد . وهذا الذي أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك .
وقوله : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } هذا تهييج للأمة على الاستغفار ، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ } أي : في أواخر النهار وأوائل الليل ، { وَالإبْكَارِ } وهي أوائل النهار وأواخر الليل .
وقوله : فاصْبرْ إنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاصبر يا محمد لأمر ربك ، وانفذ لما أرسلك به من الرسالة ، وبلّغ قومك ومن أُمرت بإبلاغه ما أنزل إليك ، وأيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك ، ونصرة من صدّقك وآمن بك ، على من كذّبك ، وأنكر ما جئته به من عند ربك ، وإن وعد الله حقّ لا خلف له وهو منجز له واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ يقول : وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ يقول : وصلّ بالشكر منك لربك بِالْعَشِيّ وذلك من زوال الشمس إلى الليل وَالإبْكَارِ وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى ، وخروج وقت الضحى ، والمعروف عند العرب القول الأوّل .
واختلف أهل العربية في وجه عطف الإبكار والباء غير حسن دخولها فيه على العشيّ ، والباء تحسن فيه ، فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : وسبح بحمد ربك بالعشيّ وفي الإبكار . وقال : قد يقال : بالدار زيد ، يراد : في الدار زيد ، وقال غيره : إنما قيل ذلك كذلك ، لأن معنى الكلام : صل بالحمد بهذين الوقتين وفي هذين الوقتين ، فإدخال الباء في واحد فيهما .
ثم أمر نبيه عليه السلام بالصبر وانتظار إنجاز الوعد أي فستكون عاقبة أمرك كعاقبة أمره . وقال الكلبي : نسخت آية القتال الصبر حيث وقع .
وقوله تعالى : { واستغفر لذنبك } يحتمل أن يكون ذلك قبل إعلام الله إياه إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لأن آية هذه السورة مكية ، وآية سورة الفتح مدنية متأخرة ، ويحتمل أن يكون الخطاب في هذه الآية له والمراد أمته ، أي إنه إذا أمر بهذا فغيره أحرى بامتثاله .
{ والإبكار } والبكر : بمعنى واحد . وقال الطبري : { الإبكار } من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . وحكي عن قوم أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى . وقال الحسن : { بالعشي } ، يريد صلاة العصر { والإبكار } : يريد به صلاة الصبح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.