التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وأما المثل الثانى فيتجلى فى قوله - تعالى - : { كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برياء مِّنكَ . . } .

أي : مثل المنافقين فى تزيينهم الشر والفساد ليهود بنى النضير . . . كمثل الشيطان إذ قال للإنسان فى الجنيا اكفر بالله - تعالى - فلما كفر ذلك الإنسان ومات على الكفر ، وبعث يوم القيامة ، ووجد مصيره السيىء . . . ندم وألقى التبعة على الشيطان الذى قال له : إنى برىء منك ومن كفرك ، إنى أخاف الله رب العالمين ، ووجه الشبه : أن المنافقين تبرأوا من معاونتهم ومن مناصرتهم . . عندما حانت ساعة الجد . . كما يتبرأ الشيطان من كفر الكافر يوم القيامة .

ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - : { وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ . . } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ } يعني : مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين ، وقول المنافقين لهم : { وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ } ثم لما حقت الحقائق وجَدَّ بهم الحصار والقتال ، تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة ، مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ{[28604]} سول للإنسان - والعياذ بالله - الكفر ، فإذا دخل فيما سوله{[28605]} تبرأ منه وتنصل ، وقال : { إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }

وقد ذكر بعضهم هاهنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل ، لا أنها المرادة وحدها بالمثل ، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكله لها ، فقال ابن جرير :

حدثنا خلاد بن أسلم ، أخبرنا النضر بن شُمَيْل ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمعت عبد الله بن نَهِيك قال : سمعت عليًا ، رضي الله عنه ، يقول : إن راهبًا تعبد ستين سنة ، وإن الشيطان أراده فأعياه ، فعمد إلى امرأة فأجنَّها ولها إخوة ، فقال لإخوتها : عليكم بهذا القس فيداويها . قال : فجاءوا بها إليه فداواها ، وكانت عنده ، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته ، فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب : أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجك مما صنعت بك ، فاسجد لي سجدة . فسجد له ، فلما سجد له قا ل :إني بريء منك ، إني أخاف الله رب العالمين ، فذلك قوله :{ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } {[28606]} .

وقال ابن جرير : حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } قال : كانت امرأة ترعى الغنم ، وكان لها أربعة أخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب . قال : فنزل الراهب ففجَر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان فقال له : اقتلها ثم ادفنها ، فإنك رجل مُصدَّق يسمع قولك . فقتلها ثم دفتها . قال : فأتى الشيطانُ إخوتها في المنام فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة فجَر بأختكم ، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا . فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا : لا بل قصها علينا . قال : فقصها ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك . فقالوا : فوالله ما هذا إلا لشيء . قال : فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ، ولن ينجيك منه غيري ، فاسجد لي سجدة واحدةً وأنجيك مما أوقعتك فيه . قال : فسجد له ، فلما أتوا به مَلكهم تَبَرأ منه ، وأُخِذَ فقتل{[28607]} .

وكذا روي عن ابن عباس ، وطاوس ، ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك . واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا ، والله أعلم . وهذه القصة مخالفة لقصة جُرَيج العابد ، فإن جريجًا اتهمته امرأة بَغي بنفسها ، وادعت أن حَملها منه ، ورفعت أمره إلى ولي الأمر ، فأمر به فأنزل من صومعته وخُربت صومعته وهو يقول : ما لكم ؟ ما لكم ؟ فقالوا : يا عدو الله ، فعلت بهذه المرأة كذا وكذا . فقال : جريج : اصبروا ، ثم أخذ ابنها وهو صغير جدًا ثم قال : يا غلام ، من أبوك ؟ قال{[28608]} أبي الراعي - وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه - فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظيمًا بليغًا وقالوا : نعيد صومعتك من ذهب . قال : لا بل أعيدوها من طين ، كما كانت .


[28604]:- (3) في م: "إذا".
[28605]:- (4) في م، أ: "سوله له".
[28606]:-(5) تفسير الطبري (28/33).
[28607]:- (1) تفسير الطبري (28/33).
[28608]:-(2) في م: "فقال".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله : { كَمَثلِ الشّيْطانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قال إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العَالمِينَ } يقول تعالى ذكره : مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضيرة النضرة ، إن قوتلوا ، أو الخروج معهم إن أُخرجوا ، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد ، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم ، وإلى نُصرتهم إياهم ، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْسانا ، ووعده على اتباعه وكفره بالله ، النصرة عند الحاجة إليه ، فكفر بالله واتبعه وأطاعه ، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه ، وقال له : إني أخاف الله ربّ العالمين في نُصرتك .

وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ هو إنسان بعينه ، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به ، فقال بعضهم : عُنِي بذلك إنسان بعينه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عبد الله بن نهيك ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : إن راهبا تعبّد ستين سنة ، وإن الشيطان أرداه فأعياه ، فعمد إلى امرأة فأجنها ، ولها إخوة ، فقال لإخوتها : عليكم بهذا القسّ فيداويها ، فجاءوا بها ، قال : فداواها ، وكانت عنده ، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته ، فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب : أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعتُ بك ، اسجد لي سجدة ، فسجد له فلما سجد له قال : إني بريء منك إني أخاف الله ربّ العالمين فذلك قوله : { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العالَمِينَ } .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العالَمِينَ }قال : كانت امرأة ترعى الغنم ، وكان لها أربعة إخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب ، قال : فنزل الراهب ففجر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان ، فقال له اقتلها ثم ادفعها ، فإنك رجل مصدّق يسمع كلامك ، فقتلها ثم دفنها قال : فأتى الشيطان إخوتها في المنام ، فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم فلما أحبلها قتلها ، ثم دفنها في مكان كذا وكذا ، فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا وما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا : لا ، بل قُصّها علينا قال : فقصها ، فقال الاَخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك قالوا : فما هذا إلا لشيء ، فانطلقوا فاستعدَوْا مَلِكَهُم على ذلك الراهب ، فأتَوه فأنزلوه ، ثم انطلقوا به ، فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنا أنجيك مما أوقعتك فيه قال : فسجد له فلما أَتَوا به ملكَهم تبرأ منه ، وأُخِذ فقتل .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ . . . إلى وَذَلكَ جزاءُ الظّالِمِينَ }قال عبد الله بن عباس : كان راهب من بني إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته ، وكان يُؤتى من كلّ أرض فيُسئل عن الفقه ، وكان عالما ، وإن ثلاثة إخوة كانت لهم أخت حسنة من أحسن الناس ، وإنهم أرادوا أن يسافروا ، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة ، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها فقال أحدهم : أدلكم على من تتركونها عنده ؟ قالوا : من هو ؟ قال : راهب بني إسرائيل ، إن ماتت قام عليها . وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليه فعمدوا إليه فقالوا : إنا نريد السفر ، ولا نجد أحدا أوثق في أنفسنا ، ولا أحفظ لما وُلّيَ منك لما جعل عندك ، فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك فإنها ضائعة شديدة الوجع ، فإن ماتت فقم عليها ، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع ، فقال : أكفيكم إن شاء الله فانطلقوا فقام عليها فداواها حتى بَرَأت ، وعاد إليها حسنها ، فاطلع إليها فوجدها متصنعة ، فلم يزل به الشيطان يزين له أن يقع عليها حتى وقع عليها ، فحملت ، ثم ندمه الشيطان فزين له قتلها قال : إن لم تقتلها افتضحت وعرف شبهك في الولد ، فلم يكن لك معذرة ، فلم يزل به حتى قتلها ، فلما قدم إخوتها سألوه ما فعلت ؟ قال : ماتت فدفنتها ، قالوا : قد أحسنت ، ثم جعلوا يرون في المنام ، ويخبرون أن الراهب هو قتلها ، وأنها تحت شجرة كذا وكذا ، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها تحتها قد قتلت ، فعمدوا إليه فأخذوه ، فقال له الشيطان : أنا زيّنت لك الزنا وقتلها بعد الزنا ، فهل لك أن أنجيك ؟ قال : نعم ، قال : أفتطيعني ؟ قال : نعم قال : فاسجد لي سجدة واحدة ، فسجد له ثم قتل ، فذلك قوله : { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ }الآية .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : كان رجل من بني إسرائيل عابدا ، وكان ربما داوى المجانين ، فكانت امرأة جميلة ، فأخذها الجنون ، فجيء بها إليه ، فتركت عنده ، فأعجبته ، فوقع عليها فحملت ، فجاءه الشيطان فقال : إن عُلم بهذا افتضحت ، فاقتلها وادفنها في بيتك ، فقتلها ودفنها ، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه ، فقال : ماتت ، فلم يتهموه لصلاحه فيهم ، فجاءهم الشيطان فقال : إنها لم تمت ، ولكنه وقع عليها فقتلها ودفنها في بيته في مكان كذا وكذا ، فجاء أهلها ، فقالوا : ما نتهمك ، فأخبرنا أين دفنتها ، ومن كان معك ، فوجدوها حيث دفنها ، فأُخذ وسُجن ، فجاءه الشيطان فقال : إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فتخرج منه ، فاكفر بالله ، فأطاع الشيطان ، وكفر بالله ، فأُخذ وقتل ، فتبرأ الشيطان منه حينئذ . قال : فما أعلم هذه الآية إلا نزلت فيه { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العالَمِينَ } .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك الناس كلهم ، وقالوا : إنما هذا مثل ضُرِب للنضير في غرور المنافقين إياهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرُ } عامّة الناس .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله تعالى : { كمثل الشيطان } معناه مثل هاتين الفرقتين من المنافقين وبني النضير { كمثل الشيطان } والإنسان ، فالمنافقون مثلهم الشيطان وبنو النضير مثلهم الإنسان ، وذهب مجاهد وجمهور من المتأولين إلى أن { الشيطان } و «الإنسان » في هذه الآية أسماء جنس لأن العرف أن يعمل هذا شياطين بناس كما يغوي الشيطان الإنسان ثم يفر منه بعد أن يورطه ، كذلك أغوى المنافقون بني النضير وحرضوهم على الثبوت ووعدوهم النصر ، فلما نشب بنو النضير وكشفوا عن وجوههم تركهم المنافقون في أسوأ حال ، وذهب قوم من رواة القصص أن هذا شيطان مخصوص مع عابد من العباد مخصوص ، وذكر الزجاج أن اسمه برصيص ، قالوا إنه استودع امرأة وقيل سيقت إليه ليشفيها بدعائه من الجنون فسول له الشيطان الوقوع عليها فحملت ، فخشي الفضيحة ، فسول له قتلها ودفنها ، ففعل ثم شهره ، فلما استخرجت المرأة وحمل العابد شر حمل وهو قد قال : إنها قد ماتت فقمت عليها ودفنتها ، فلما وجدت مقتولة علموا كذبه فتعرض له الشيطان فقال له : اكفر واسجد لي وأنجيك ، ففعل وتركه عند ذلك .

وقال :{ إني بريء منك } ، وهذا كله حديث ضعيف ، والتأويل الأول هو وجه الكلام وقول الشيطان : { إني أخاف الله } ، رياء من قوله وليست على ذلك عقيدته ، ولا يعرف الله حق معرفته ولا يحجزه خوفه عن سوء يوقع فيه ابن آدم من أول إلا آخر .